خرجوا مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، أو أفتوا بالخروج معه [1] . وعلى كل حال . . فإن ما يهمنا بيانه هنا : هو أن المأمون كان يريد
[1] مقاتل الطالبيين ص 377 ، وغيرها من الصفحات ، وغيرها من الكتب . ويرى بعض أهل التحقيق : أن المقصود هو جميع أصحاب الحديث في الكوفة . ولكن الظاهر أن المراد : الجميع مطلقا ، كما يظهر من مراجعة مقاتل الطالبيين وغيره . والأمر الذي تجدر الإشارة إليه هنا : هو أن فرقة من الزيدية ، وفرقة من أصحاب الحديث ، قد قالوا بالإمامة على النحو الذي يقول به الشيعة الإمامية ، عندما جعل المأمون " الرضا عليه السلام " وليا لعهده . لكنهم بعد وفاة الرضا عليه السلام رجعوا عن ذلك : قال النوبختي في فرق الشيعة ص 86 : " . وفرقة منهم تسمى " المحدثة " كانوا من أهل الإرجاء ، وأصحاب الحديث ، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر ، وبعده بإمامة علي بن موسى ، وصاروا شيعة ، رغبة في الدنيا وتصنعا . فلما توفي علي بن موسى عليه السلام رجعوا إلى ما كانوا عليه . وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء ، والبصراء ، فدخلوا في إمامة علي بن موسى ( ع ) ، عندما أظهر المأمون فضله ، وعقد بيعته ، تصنعا للدنيا ، واستكانوا الناس بذلك دهرا . فلما توفي علي بن موسى ( ع ) رجعوا إلى قومهم من الزيدية . " وقد تقدم قول الشيبي : إنه قد التف حول الرضا ( ع ) " المرجئة ، وأهل الحديث ، والزيدية ، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته . . " وغير ذلك . والذي نريد أن نقوله هنا هو : أن " الإرجاء دين الملوك " على حد تعبير المأمون ( على ما نقله عنه في ضحى الإسلام ج 3 / 326 ) ، نقلا عن طيفور في تاريخ بغداد . وفي البداية والنهاية ج 10 / 276 : أن المأمون قال للنضر بن شميل : ما الإرجاء ؟ . قال : " دين يوافق الملوك ، يصيبون به من دنياهم ، وينقصون به من دينهم " قال : صدقت الخ . وليراجع كتاب بغداد ص 51 ، وعمدة القول بالإرجاء ( القديم ) هو : المغالاة في الشيخين ، والتوقف في الصهرين ، فالإرجاء والتشيع ، وخصوصا القول بإمامة موسى بن جعفر ، وولده علي الرضا على طرفي نقيض ومن هنا كانت المساجلة الشعرية بين المأمون المظهر لحب علي وولده ، وابن شكلة المرجي ، يقول المأمون معرضا بابن شكلة : إذا المرجي سرك أن تراه * يموت لحينه من قبل موته فجدد عنده ذكرى علي * وصل على النبي وآل بيته أما ابن شكلة فيقول معرضا بالمأمون : إذا الشيعي جمجم في مقال * فسرك أن يبوح بذات نفسه فصل على النبي وصاحبيه * وزيريه وجاريه برمسه راجع : مروج الذهب ج 3 / 417 ، والكنى والألقاب ج 1 / 331 ، وبعد هذا . فإنه لمن غرائب الأمور حقا ، الانتقال دفعة واحدة من القول بالإرجاء إلى التشيع ، بل إلى الرفض ( وهو الغلو في التشيع حسب مصطلحهم ، والذي يتمثل بالقول بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ( وأغرب من ذلك العودة إلى الإرجاء بعد موت علي الرضا عليه السلام . وهذا إن دل على شئ ، فإنما يدل على مدى تأثير السياسة والمال في هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم - بادعائهم - مسؤولية الحفاظ على الدين والذود عن العقيدة ، فإنهم كانوا في غاية الانحطاط الديني ، يتلونون - طمعا بالمال والشهرة - ألوانا ، حتى إن ذلك يحملهم على القول بعقيدة ، ثم القول بضدها ، ثم الرجوع إلى المقالة الأولى ، إذا رأوا أن الحاكم يرغب في ذلك ، ويميل إليه ، ولهذا أسموا ب " الحشوية " يعني : أتباع وحشو الملوك ، وأذناب كل من غلب ، ويقال لهم أيضا ( وهم في الحقيقة أهل الحديث ) : " الحشوية ، والنابتة ، والغثاء ، والغثر . " على ما في كتاب : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 80 . وراجع أيضا فرق الشيعة ، ورسالة الجاحظ في بني أمية ، وغير ذلك . بل لقد أطلق عليهم المأمون نفسه لفظ " الحشوية " في مناقشته المشهورة للفقهاء والعلماء المذكور في العقد الفريد والبحار ، وعيون أخبار الرضا وغير ذلك . وقال عنهم الزمخشري في مقام استعراضه للمذاهب والنحل ، ومعتنقيها : وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون تيس ليس يدي ويفهم ويقابل كلمة " الحشوية " كلمة " الرافضة " التي شاع إطلاقها على الشيعة الإمامية . ومعناها في الأصل : جند تركوا قائدهم . فحيث إن الشيعة لم يكونوا قائلين بإمامة أولئك المتغلبين ، سموهم ب " الرافضة " ولذا جاء في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 161 : أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص : " أما بعد . فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك ، فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة الخ . . " . ومثل ذلك ما في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 34 ، فالمراد بكلمة رافضة هنا هو ذلك المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه ، فسمي الشيعة بالرافضة ، لأنهم - كما قلنا - رفضوا الانقياد لأولئك الحكام المتغلبين . يقول السيد الحميري على ما جاء في ديوانه وغيره - يهجو البعض : أبوك ابن سارق عنز النبي * وأمك بنت أبي جحدر ونحن على رغمك الرافضون * لأهل الضلالة والمنكر ولكن قد جاء في الطبري ، مطبعة الاستقامة ج 6 ص 498 ، والبداية والنهاية ج 9 ص 330 ، ومقدمة ابن خلدون ص 198 ، ومقالات الإسلاميين ج 1 ص 130 ، وغاية الاختصار ص 134 : أن سبب تسمية الشيعة ب " الرافضة " هو أنهم عندما تركوا نصرة زيد بن علي في سنة 122 ه . قال لهم زيد : رفضتموني ، رفضكم الله ، وهذا كذب راج على بعض الشيعة أيضا حيث ذكروا وذكر الطبري في نفس الصفحة المشار إليها آنفا : أن التسمية كانت من المغيرة بن سعيد ، لما رفضته الشيعة . . وكانت قضيته سنة 119 ه . ولكن الحقيقة هي أن التسمية بالرافضة كانت قبل سنتي 122 ه و 119 ه . فقد جاء في المحاسن للبرقي ص 119 طبع النجف ، باب الرافضة : أن الشيعة كانوا يشكون إلى الباقر المتوفى سنة 114 أن الولاة قد استحلوا دماءهم وأموالهم باسم : " الرافضة " الخ . وجاء في ميزان الاعتدال طبع سنة 1963 م . ج 2 ص 584 بعد ذكره لإسناد طويل أن الشعبي المتوفى سنة 104 ه . قال لأحدهم : " ائتني بشيعي صغير ، أخرج لك منه رافضيا كبيرا " . وفي كتاب : روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار ص 40 ، أن الشعبي قال : " أحبب آل محمد ولا تكن رافضيا ، وأثبت وعيد الله ، ولا تكن مرجئيا . " . بل لدينا ما يدل على أن تسمية الشيعة ب " الرافضة " كان قبل سنة المئة ، فقد جاء في المحاسن والمساوي للبيهقي ص 212 ، طبع دار صادر وأمالي السيد المرتضى ج 1 ص 68 هامش : أن لما أنشد الفرزدق أبياته المشهورة في الإمام زين العابدين ، المتوفى سنة 95 ه قال عبد الملك بن مروان المتوفى سنة 86 ه للفرزدق : " أرافضي أنت يا فرزدق ؟ ! " . وعلى كل حال : فإن ذلك كله قد كان قبل قضيتي زيد والمغيرة ابن سعيد بزمان بعيد .