لا بد منه ، ولا غنى عنه ، وإن لم تعرف ظروفه ، ودوافعه الحقيقية . بل وحتى مع علمها بها ، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل ، وإلا . فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب ، وتتناسى ما تعلم . أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة ، وأن ما أدركته - ولو كان حقا - لا واقع له ، ولا حقيقة وراءه . وعلى كل حال ، فإنه يتفرع على ما ذكرناه : أولا : إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه ، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه ، بسبب معاملة أبيه ، أو أخيه ، وسائر أسلافه لهم ، فإن المرء بما كسب هو ، لا بما كسب أهله ، ولا تزر وازرة وزر أخرى . وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد ، وهو قد أرجع الخلافة إليهم ، بل وإلى أعرق بيت فيهم . وعرفهم عملا : أنه لا يريد لهم ، ولغيرهم ، إلا الصلاح والخير . . وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم ، ولا قتله أخاه ، ولا أن يزعجهم ، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين ، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك . . ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم ، على حسب ما يشتهون ، وعلى وفق ما يريدون . ومن هنا . . فلا يجب أن نعجب كثيرا ، حين نراهم : قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة ، وقلوب رضية . حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير ، فقد نص المؤرخون - ومنهم الطبري ، وابن مسكويه - على أن بعضهم وافق ، والبعض الآخر - وهم أنصار بني العباس - رفض . وهذا يدل دلالة واضحة : على أن بغداد ، معقل العباسيين الأول ، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة . .