وأما ثانيا : فلسيرة أسلافه ، وأبيه الرشيد بالخصوص ، في الناس عامة ، ومع أهل بيت نبيهم خاصة ، والتي قدمنا شطرا منها في الفصول التي سبقت . أما الأمين : فقد كان له - إلى حد ما - شافع عندهم ، حيث إنه كان من أب وأم عربيين من جهة . وكان قد منحهم ثقته وحبه ، وقربهم إليه ، حتى كان وزيره الفضل بن الربيع منهم . من جهة ثانية ، فتوسموا فيه أن يجعل لهم . وأن ينظر إليهم بغبر العين ، التي كان أبوه وأسلافه ينظرون إليهم بها . أو على الأقل : سوف لا تكون نظرته إليهم . على حد نظرة المأمون نحوهم . وذلك ما يجعلهم يرجحونه - على الأقل - على أخيه المأمون ، وإن كان المأمون أفضل ، وأسن منه ، فلقد كان عليهم أن يختاروا أهون الشرين ، وأقل الضررين . حتى إن نصر بن شبث ، الذي كان هواه مع العباسيين ، لم يقم بثورته ضد المأمون ، التي بدأت سنة 198 ه . واستمرت حتى سنة 210 ه . إلا انتصارا للعرب ، ومحاماة عنهم ، لأن العباسيين كانوا يفضلون عليهم العجم ، حسب تصريحات نصر بن شبث نفسه [1] . وحتى في مصر أيضا ، قد ثارت الفتن بين القيسية ، المناصرة للأمين ، واليمانية المناصرة للمأمون . . وقال أحمد أمين : " . إن أغلب الفرس تعصب للمأمون ، وأغلب العرب تعصبوا للأمين . . " [2] كما أننا نكاد لا نشك في أن تعصب العرب للأمين ليس إلا للسببين المتقدمين ، الذين أشرنا إليهما ، وأشار إلى أحدهما نصر بن شبث . .
[1] التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج 3 ص 104 . [2] ضحى الإسلام ج 1 ص 43 .