إلا أن أباه الرشيد ، الذي كان يدرك حقيقة الموقف كل الادراك ، قد حاول أن يضمن له نصيبه من الخلافة ، فجعله ولي العهد بعد أخيه الأمين ، وكتب بذلك العهود والمواثيق ، وأشهد عليها ، وعلقها في جوف الكعبة ، ولا نعلم خليفة ، قبله ولا بعده فعل ذلك مع أولياء عهده ، من أولاده أو من غيرهم ، رغم أن غيره من الخلفاء قد أخذوا البيعة لأكثر من واحد بعدهم . كما أنه قد حاول بطرق شتى أن يشد من عضد المأمون ، ويقوي مركزه في مقابل أخيه الأمين ، لأنه كان يخاف منه على أخيه المأمون ، فنراه يجدد أخذ البيعة للمأمون أكثر من مرة ، ويوليه الحرب ، ويولي أخاه السلم [1] ويهب المأمون كل ما في العسكر من كراع وسلاح . ويأمر الفضل بن الربيع ، الذي كان يعرف أنه سوف يتآمر مع الأمين - يأمره - بالبقاء مع المأمون في خراسان . إلى غير ذلك من مواقفة ، التي لا نرى حاجة لتتبعها واستقصائها . مركز المأمون ظل في خطر : ولكن رغم كل محاولات الرشيد فقد ظل مركز المأمون في خطر والكل كان يشعر بذلك ، وكيف لا يعرف الجميع ذلك . ولا يشعرون به ، وهم يرون الأمين يصرح بعد أن أعطى العهود والمواثيق ، وحلف الأيمان ، بأنه : كان يضمر الخيانة لأخيه المأمون [2] . لقد كان الكثيرون يرون بأن هذا الأمر لا يتم ، وأن الرشيد قد أسس العداء والفرقة بين أولاده ، " وألقى بأسهم بينهم ، وعاقبة ما صنع
[1] مروج الذهب ج 3 ص 353 ، والطبري حوادث سنة 186 ه . [2] الوزراء والكتاب ص 222 .