رغم أن المأمون كان أسن من الأمين بستة أشهر ، وعلى أقل الأقوال بشهر واحد . وأصبح الرشيد حينئذ أمام الأمر الواقع ، حيث إن الذي أقدم على هذا الأمر ، هو ذلك الرجل . الذي لا يمكن رد كلمته ، والذي له من النفوذ والسلطان ، والخدمات الجلى ، والأيادي البيضاء عليه ، ما لا يمكن له ، ولا لأحد غيره أن يجحده أو أن يتجاهله . ويلاحظ هنا : أن عيسى بن جعفر قد ذكر أن أخته زبيدة ، تسأله أن يقدم على هذا الأمر ، وزبيدة التي تخطى باحترام كبير عند العباسيين ، ولها نفوذ واسع ، وتأثير كبير على الرشيد - زبيدة هذه - يهتم البرامكة جدا بأن تكون معهم ، وإلى جانبهم ، وذلك ليبقى لهم سلطانهم ، ويدوم لهم حكمهم ، الذي أشار إليه عيسى بقوله : " فإنه ولدك ، وخلافته لك " فإن في هذا القول دليلا واضحا للفضل على سلامة وصحة ما يقدم عليه بالنسبة لمصالحه هو ، ومصالح البرامكة بشكل عام . وبالنسبة لدورهم في مستقبل الخلافة العباسية . . وهو في الحقيقة يشتمل على إغراء وترغيب واضح بالعمل لهذا الأمر ، وفي سبيله . كما أن قول عيسى الآنف الذكر يلقي لنا ضوءا على الدور الذي لعبته زبيدة في مسألة البيعة لولدها بولاية العهد . فهو يشير إلى أنها كانت قد استخدمت نفوذها في إقناع رجال الدولة بتقديم ولدها . هذا بالإضافة إلى أنها كانت تحرض الرشيد على ذلك باستمرار [1] ، حتى لقد صرح الرشيد نفسه بأنه : " لولا أم جعفر وميل بني هاشم لقدم عبد الله على محمد ، كما أشرنا إليه " . قال محمد فريد وجدي مشيرا إلى أن الرشيد لم يكن يريد جرح عاطفة
[1] النجوم الزاهرة ج 2 ص 81 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 290 .