بل لقد روي عن الإمام علي ( ع ) ، أنه قال - وهو يصف خلفاء بني العباس - : " سابعهم أعلمهم " [1] . وقد وصفه السيوطي وابن تغري بردى ، وابن شاكر الكتبي ، فقالوا : " وكان أفضل رجال بني العباس : حزما ، وعزما ، وحلما ، وعلما ، ورأيا ، ودهاء [2] وهيبة ، وشجاعة ، وسؤددا ، وسماحة ،
[1] مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 276 ، وسفينة البحار ج 2 ص 332 ، مادة : " غيب " . [2] دهاء المأمون ، وحنكته ، وسياسته من المسلمات ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، فقد روى لنا ابن عبد ربه في العقد الفريد ج 1 ص 123 ، والجهشياري في الوزراء والكتاب ص 311 : كيف أنه بين للفضل بن سهل : أن أخاه الأمين كان يستطيع أن ينتصر عليه ، لو أنه أرسل إلى أهل البلاد التي يحكمها المأمون يخبرهم : " أنه قد وضع عنهم الخراج إلى سنة . فحينئذ ، إن لم يقبل المأمون ، قامت البلاد ضده ، وإن قبل لم يجد ما يعطي الجند ، فيقومون ضده ، وفي كلا الحالتين يكون النصر للأمين ، لو وقعت بينهما الحرب ، فحمد الفضل ربه ، على أن لم يهتد الأمين ، وأتباعه إلى هذا الرأي . وإن كان في العقد الفريد للملك السعيد ، ص 50 ينسب هذا الرأي إلى الشيخ أبي الحسن القطيفي ، وأنه أشار به على الأمين ، فلم يقبله . وفي المحاسن والمساوي طبع مصر ج 2 ص 77 ، 78 ، نسبة إلى شيخ مسن أشار به على الأمين فلم يقبل منه . وقد رأينا أيضا : أنه عندما تسلم زمام الحكم قد طلب من الفضل : أن يشيع عنه الزهد والتقوى والورع ، ففعل . . راجع تاريخ التمدن الإسلامي ج 4 ص 261 . ورأينا كذلك : أنه يقتل الفضل ، ويبكي عليه ، ويقتل قتلته ، ويقتل الرضا ، ثم يبكي عليه . ويقتل طاهرا ، ويولي أبناءه مكانه . . ورأينا أيضا : أنه يولي الرضا العهد ، ويوهم العباسيين : أن ذلك كان من تدبير الفضل ، ويقتل أخاه ، ويوهمهم أن الذنب في ذلك على الفضل وطاهر . إلى آخر ما هنالك ، مما سيأتي ، وغيره ، مما يدل على عمقه ، ودهائه ، وحنكته ، وسياسته . . وأن الفضل وغيره ، ما كانوا إلا دمى له ، يلهو ويلعب بها ، ويحركها كيف شاء ، وحيثما أراد . .