تأنفون ، ولا ترجعون إلا خشية ، وكيف يأنف من يبيت مركوبا ، ويصبح بإثمه معجبا ، كأنه قد اكتسب حمدا ، غايته بطنه وفرجه ، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل ، أو ملك مقرب . أحب الناس إليه من زين له معصية أو أعانه في فاحشة ، تنظفه المخمورة الخ . " . فهذه القطعة تبين لنا بجلاء - كما يتبين من كثير أمثالها - كيف كان خلفاء العباسيين منغمرين في الملذات والشهوات . . وتبين لنا نظرتهم للحياة وأهدافهم منها . ولولا أن المقام يطول لأوردنا سيلا من الشواهد والدلائل على مدى استهتارهم ، وانتهاكهم ، للحرمات ، وارتكابهم للموبقات ، ليعلم أن أقوال المأمون هذه ، وكذلك أقوال الخوارزمي ، وغيرهما مما تقدم غير مبالغ فيها ، وأن الحقيقة هي أعظم من ذلك بكثير وأن ذلك ليس إلا غيضا من فيض . وكتب التاريخ والأدب خير شاهد على ذلك ، وإن حاولت بعض الأيدي الأثيمة تشويه الحقيقة ، والتستر على واقعهم ذاك المزري والمهين . وفي نهاية المطاف : وإذا كانت تلك هي سيرة العباسيين في حياتهم الخاصة ، وتلك هي سياساتهم مع الناس ومع خصومهم ، فماذا يمكن أن تكون حالة وزرائهم وقوادهم ، وسائر رجال دولتهم ؟ ! التاريخ وحده هو الذي يتولى الإجابة على هذا السؤال . أما نحن . . فنكتفي بهذا القدر ، وننتقل إلى الحديث عن بعض نتائج سياسات العباسيين تلك . . وخصوصا ما كان منها يتعلق بالعلويين .