وأما الرشيد : فسيرته تكفي عن كل بيان . . ويكفيه أنه - كما ينص المؤرخون - يشبه المنصور في كل شئ إلا في بذل المال [1] ، حيث يقولون إن المنصور كان بخيلا . وقد تسلط - كالمنصور - بعد مدة من خلافته على الأمور ، فأفسد الصنايع ، وأحب جمع الأموال [2] . " وكان جبارا سفاكا للدماء ، على نمط من ملوك الشرق المستبدين " [3] . وقد عسف عامله أهل خراسان ، وقتل ملوكها ، ووجوه أهلها وأشرافها وصناديدها ، وأخذ أموالهم . فأرسلها إلى الرشيد ، الأمر الذي كان سببا في انتقاضها عليه [4] . وكان يعذب الناس في الخراج ، حيث : " أخذ العمال ، والتناء ، والدهاقين ، وأصحاب الصنايع ، والمتباعين للغلات ، والمقبلين . وكان عليهم أموال مجتمعة ، فولى مطالبتهم عبد الله بن الهيثم بن سام . فطالبهم بصنوف من العذاب . إلى أن دخل عليه ابن عياض ، فرأى الناس يعذبون في الخراج ، فقال : ارفعوا عنهم ، إني سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من عذب الناس في الدنيا عذبه الله يوم القيامة ، فأمر بأن يرفع العذاب عن الناس ، فرفع . . " [5] .
[1] ولكن لا في سبيل الله ، وإنما على ملذاته وشهواته ، وعلى المغنين والمضرطين كما في رسالة الخوارزمي المتقدمة ، وكما ينص عليه أي كتاب تاريخي يتحدث عن سيرته وأفعاله . [2] التنبيه والإشراف ص 299 . [3] هذا قول الأمير شكيب أرسلان ، في تعليقته على : حاضر العالم الإسلامي ، نقلها عنه : محمد بن عقيل هامش ص 20 من كتابه : العتب الجميل . . وهو من منشورات هيئة البحوث الإسلامية في إندونيسيا . [4] الوزراء والكتاب ص 228 . [5] تاريخ اليعقوبي ج 3 / 146 .