نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده ومن الغريب أن سياسة الحكم في تلك العصور قد استخدمت الجن واتخذته في أدواتها ، وقد آمن بذلك السذج والبسطاء من غير وعي وادراك للأهداف السياسية . وهن الأنصار : ولم تكن للأنصار إرادة صلبة ، ولا عزم ثابت كما لا دراية لهم في الشؤون السياسية ، فقد منوا - على كثرتهم - بالوهن والضعف والتخاذل فكانوا بعد خطاب سعد - فيما يقول المؤرخون - قد ترادوا الكلام فيما بينهم ، فقالوا : فان أبى المهاجرون من قريش ، وقالوا : نحن المهاجرون وأصحابه الأولون ، وعشيرته وأولياؤه فعلام تنازعون هذا الامر بعده ؟ فقالت طائفة منهم : فانا نقول : منا أمير ، ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا أبدا ، وثار سعد حينما رأى هذا الروح الانهزامية قد سرت في نفوس قومه فقال : " هذا أول الوهن " [1] . أجل إن هذا أول الوهن وآخره فقد كشف عن ضعف نفوسهم ، وتفلل صفوفهم ، وعدم نضوجهم في الميادين السياسية فإنهم انما عقدوا اجتماعهم ، وأحاطوه بكثير من الكتمان ليسبقوا الاحداث ، ويظفروا بالحكم قبل أن يعلم المهاجرون من قريش ، ولكنهم ضلوا قابعين في هذا الصراع الفارغ حتى أضاعوا عليهم الفرصة فقد دهمهم المهاجرون ، وأشاعوا بينهم الاختلاف والفرقة حتى سيطروا على الوضع ، واستولوا على زمام الحكم .