لا أحسب أن هناك خدمة للأمة أو عائدة عليها بخير تضارع نشر فضائل أئمة أهل البيت ( ع ) ، وإذاعة سيرتهم ومآثرهم فإنها تفيض بالخير والهدى على الناس جميعا ففيها الدروس الحية ، والعظات البالغة التي تبعث على الاستقامة والتوازن في السلوك ، وهي من أثمن ما يملكه المسلمون من طاقات ندية حافلة بالقيم الكريمة والمثل العليا التي هي السر في أصالة هذا الدين وخلوده . وحياة الإمام الحسين ( ع ) من أروع حياة الأئمة الطاهرين ، فقد تخطت حدود الزمان والمكان ، وتمثلت فيها العبقرية الانسانية التي تثير في نفس كل انسان أسمى صور الاكبار والتقدير ، فقد تجسد في سيرته ومقتله أروع موضوع في تاريخ الاسلام كله ، فلم يعرف المسلمون ولا غيرهم من القيم الانسانية مثل ما ظهر من الامام على صعيد كربلاء ، فقد ظهر منه من الصمود ، والايمان بالله ، والرضا بقضائه والتسليم لامره ما لم يشاهده الناس في جميع مراحل تاريخهم ، وكان هذا الايمان الذي لا حد له هو الطابع الخاص الذي امتاز به أهل بيته وأصحابه على بقية الشهداء ، فقد أخلصوا في دفاعهم لله ، وأخلصوا في نضالهم للحق ، ولم يكونوا مدفوعين بأي دافع مادي ، فالعباس ( ع ) الذي كان من أقرب الناس للإمام الحسين وألصقهم به لم يندفع بتضحيته الفذة بدافع الاخوة والرحم ، وإنما أقدم على ذلك بدافع الايمان ، والذب عن الاسلام ، وقد أعلن سلام الله عليه ذلك فيما أثر عنه من رجز ظل يهتف به وينشده شعارا له في تلك المعركة الرهيبة بعد أن يرى القوم يمينه قائلا :