وثبوا بالمرأة عليَّ ، وأنا وليُّ أمرها والوصيُّ عليها ، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال ، وأقبلوا بها تخبط الفيافي وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب ، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال ، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي ( صلى الله عليه آله ) ! حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم طويلة لحاهم ، قليلة عقولهم عازبة آراؤهم ، وهم جيران بدو ووراد بحر ، فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم ، ويرمون بسهامهم بغير فهم ، فوقفت من أمرهم على اثنتين ، كلتاهما في محلة المكروه ، ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل ، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت ، فقدمت الحجة بالإعذار والإنذار ، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها ، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي ، والترك لنقضهم عهد الله عز وجل فيَّ ، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه ، وناظرت بعضهم فرجع وذكرته فذكر ، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلاً وتمادياً وغياً ، فلما أبوا إلا هي ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة وبهم الهزيمة ولهم الحسرة ، وفيهم الفناء والقتل ، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بداً ، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخراً مثل الذي وسعني منه أولاً ، من الإغضاء والإمساك ، ورأيتني إن أمسكت كنت معيناً لهم عليَّ بإمساكي على ما صاروا إليه وطمعوا فيه ، من تناول الأطراف وسفك الدماء وقتل الرعية ، وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال ، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والأمم الخالية فأصير إلى ما كرهتُ أولاً وآخراً ، وقد أهملتُ المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس ، ولم أهجم على الأمر إلا بعدما قدمت وأخرت ، وتأنيت وراجعت وأرسلت وسافرت ، وأعذرت وأنذرت ، وأعطيت القوم كل شئ يلتمسونه بعد أن عرضت عليهم كل شئ لم يلتمسوه ، فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها فبلغ الله بي وبهم ما أراد ، وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيداً ، ثم التفت ( عليه السلام ) إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال ( عليه السلام ) :