أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي ! فعلوا ذلك وأنا برسول الله ( صلى الله عليه آله ) مشغول وبتجهيزه ، عن سائر الأشياء مصدود ، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها ، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي ، مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة ، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى ، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها ، ثم التفت ( عليه السلام ) إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال ( عليه السلام ) : وأما الثالثة يا أخا اليهود ، فإن القائم بعد النبي ( صلى الله عليه آله ) كان يلقاني معتذراً في كل أيامه ، ويلوم غيره على ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي ، وسألني تحليله ، فكنت أقول : تنقضي أيامه ، ثم يرجع إليَّ حقي الذي جعله الله لي عفواً هنيئاً من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهلية ، حدثاً في طلب حقي بمنازعة ، لعل فلاناً يقول فيها نعم وفلاناً يقول لا ، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل ، وجماعة من خواص أصحاب محمد ( صلى الله عليه آله ) أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه الإسلام يأتوني عوداً وبدءاً وعلانية وسراً فيدعوني إلى أخذ حقي ، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ، ليؤدوا إليَّ بذلك بيعتي في أعناقهم ، فأقول رويداً وصبراً لعل الله يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة ولا إراقة دماء ، فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه آله ) ، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل فقال كل قوم : منا أمير ، وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر ، فلما دنت وفاة القائم وانقضت أيامه صيَّر الأمر بعده لصاحبه ، فكانت هذه أخت أختها ، ومحلها مني مثل محلها ، وأخذا مني ما جعله الله لي ، فاجتمع إلى من أصحاب محمد ( صلى الله عليه آله ) ممن مضى وممن بقي ممن أخره الله من اجتمع ، فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في أختها ، فلم يعد قولي الثاني قولي الأول ، صبراً واحتساباً ويقيناً ، وإشفاقاً من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله ( صلى الله عليه آله ) باللين مرة وبالشدة أخرى ، وبالنذر مرة ، وبالسيف أخرى ! حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار والشبع والري ، واللباس والوطاء والدثار ،