هجرتك وعندنا مقامك ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ، فالحمد لله الذي ساقني إليك . والله ما جئنا إلا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل مما أتينا له . ثم أقبل ذكوان فقال له أسعد : هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به وتخبرنا بصفته ، فهلمَّ فأسلم فأسلم ذكوان ، ثم قالا : يا رسول الله ابعث معنا رجلاً يعلمنا القرآن ويدعو الناس إلى أمرك . فقال رسول الله « صلى الله عليه وآله » لمصعب بن عمير ، وكان فتى حدثاً مترفاً بين أبويه يكرمانه ويفضلانه على أولادهما ، ولم يخرج من مكة ، فلما أسلم جفاه أبواه ، وكان مع رسول الله « صلى الله عليه وآله » في الشعب حتى تغير وأصابه الجهد فأمره رسول الله « صلى الله عليه وآله » بالخروج مع أسعد ، وقد كان تعلم من القرآن كثيراً ، فخرجا إلى المدينة ومعهما مصعب بن عمير فقدموا على قومهم وأخبروهم بأمر رسول الله وخبره فأجاب من كل بطن الرجل والرجلان ، وكان مصعب نازلاً على أسعد بن زرارة ، وكان يخرج في كل يوم فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الإسلام فيجيبه الأحداث ، وكان عبد الله بن أبيّ شريفاً في الخزرج وقد كان الأوس والخزرج اجتمعوا على أن يملكوه عليهم لشرفه وسخائه ، وقد كانوا اتخذوا له إكليلاً احتاجوا في تمامه إلى واسطة كانوا يطلبونها ، وذلك أنه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بعاث ، ولم يعن على الأوس وقال : هذا ظلم منكم للأوس ولا أعين على الظلم ، فرضيت به الأوس والخزرج ، فلما قدم أسعد كره عبد الله ما جاء به أسعد وذكوان وفتر أمره . فقال أسعد لمصعب : إن خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس ، هو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف ، فإن دخل في هذا الأمر تم لنا أمرنا ، فهلم نأتي محلتهم ، فجاء مصعب مع أسعد إلى محلة سعد بن معاذ فقعد على بئر من آبارهم واجتمع إليه قوم من أحداثهم وهو يقرأ عليهم القرآن ، فبلغ ذلك سعد أبن معاذ فقال لأسيد بن حضير وكان من أشرافهم : بلغني أن أبا أمامة أسعد ابن زرارة قد جاء إلى محلتنا مع هذا القرشي يفسد شباننا ، فأته وانهه عن ذلك !