responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ترجمة الإمام الحسين ( ع ) نویسنده : ابن عساكر    جلد : 1  صفحه : 325


له : تبان [1] فقال : ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ! ! ! فأخذ ثوبا فخرقه



[1] التبان - كرمان - : سراويل صغير مقدار شبر . وهذا المعنى رواه مرسلا في الحديث : " 42 " من ترجمة الإمام الحسين من أنساب الأشراف : ج 1 ، ص 493 / أو الورق 247 / أ / وفي ط 1 : ج 3 ص 201 قال : ولما بقي الحسين بن ثلاثة نفر - أو أربعة - دعا سراويل محشوة فلبسها ، فذكروا أن بحر ابن كعب التيمي سلبه إياها حين قتل ، فكانت يداه في الشتاء تنضحان الماء وفي الصيف تيبسان فكأنهما عودان . ورواه أيضا الطبراني في الحديث : " 84 " من ترجمة الإمام الحسين من المعجم الكبير : ج 1 / الورق 128 / عن علي بن عبد العزيز ، عن إسحاق بن إسماعيل الطالقاني عن جرير ، عن ابن أبي ليلى . . ورواه عنه في باب مناقب الإمام الحسين من مجمع الزوائد : ج 9 ص 193 ، وقال : ورجاله إلى قائله ثقات . ورواه أيضا الطبري في سيرة الإمام الحسين من تاريخه : ج 4 ص 244 وفي ط الحديث : ج 5 ص 451 عن أبي مخنف ، عن سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم . . أقول : وبهذا الحديث : " 276 " يتم ما في أصلي كليهما من تاريخ دمشق ما رواه المصنف حول الحوادث الجارية بين الإمام الحسين وبين أعدائه من ابتداء ما دعاه الوليد بن عتبة إلى بيعة يزيد إلى يوم شهادة الامام وهو يوم عاشوراء . والقارئ النبيه يرى النقص الفاحش فيه واضحا وعدم اتساق المطالب وانسجام الكلام جليا ، كما تنبه لذلك الشيخ عبد القادر بدران صاحب تهذيب تاريخ دمشق فاستدركه برواية ابن حجر في الإصابة لهذه القصة عن عمار بن معاوية الدهني ، عن الإمام الباقر عليه السلام . وهل هذا من أجل أن المصنف يطوي خصوص المبادئ المنتهية إلى شهادة الإمام الحسين ؟ - أو عموم ما جرى بين أهل البيت وبين أعدائهم - سترا على مخازي المبطلين ؟ ! أو أن مشايخ المصنف بخلوا من روايتهم للمصنف ما دار بين الامام وأعدائه تحفظا على كرامة سلفهم ؟ ! ! أو أنهم رووا للمصنف إجمال ما جرى بين الامام وبين أعدائه ورواه المصنف عنهم وأودعه في هذه الترجمة ولكن المتأخرين رأوا أن هذه الاجمال أيضا يفصح عن نفاق أعداء أهل البيت وكيدهم للاسلام ، فمدوا أياديهم الخائنة إلى ما كتبه المصنف فحذفوا منه ما يدل الناس وينبههم على خروج مناوئي أهل البيت عن صف المؤمنين بالله وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله ! والامر الأول : غير ملائم لانصاف المصنف وصدقه وأمانته . والامر الثاني : وإن كان محتملا في خصوص المقام ومحققا في كثير من المقامات غير أنه يبعده ما نذكره في الامر الثالث . والامر الثالث هو المستشم المستآنس من جهات الجهة الأولى : استقراء خصوص تاريخ دمشق فإنه يغني عن استقراء غيره فإنهم عمدوا في مواضع كثيرة منه إلى حذف خصائص أهل البيت الدالة على أنهم على الحق وأن مخالفيهم مخالف للحق . وأسقطوا أيضا منه في المقامات متعددة مخازي أعداء أهل البيت مما يدل بنحو الوضوح على إخلادهم إلى الدنيا واختيارهم إياها على الآخرة ، وأنهم لا يرجون لله وقارا ولا يقيمون للدين وزنا . الجهة الثانية : تبحر المصنف في العلوم النقلية ، وروايته مقدمة مقتل الامام بإسناده المنتهي إلى أسانيد ابن سعد ، فإنه يبعد كل البعد اقتصار المصنف على خصوص مقدمة مقتل الامام بلا أي بحث عن مقتله ، وإن حمل أحد هذا على عاتق مشايخ المصنف فيبعد أيضا إقناعهم المصنف بذلك واقتناعه به بلا أي استفسار عنهم ثم سكوته من غير تنبيه وإشارة منه إلى جهة اكتفائه بذلك . الجهة الثالثة : ما ذكره المصنف في ترجمة محرز بن حريث من تاريخ دمشق كما يجئ لفظه في ختام ما ننقله عن ابن سعد وكذلك ما ذكره في ترجمة : أم محمد بنت الحسن زوج علي بن الحسين من تاريخ دمشق قسم النساء ص 547 قال : قدم بها مع أهل بيتها حين قتل الحسين من العراق إلى دمشق . لما ذكر . تقدم ذكر ورودها في ترجمة عمها الحسين . وكيف كان فنحن نكمل نقص هذا السفر الجليل بما رواه ابن سعد - مع ما فيه من مواقع النظر - إنقاذا لحقائقه من التلف ، ولكونه أوفق لمرام المصنف فنقول وبالأسانيد المتقدمة تحت الرقم : " 254 " ص 196 ، قال ابن سعد : وانظر ما يرتبط بهانئ رحمه الله في شرح المختار : " 178 " من قصار نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد : ج 18 ، ص 407 وبعده أيضا قصة مرتبطة بالامام الحسين حول اخذه ما بعثه والي اليمن إلى معاوية وكتاب معاوية إليه . قالوا : وقد كان الحسين قدم مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة ، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي وينظر إلى اجتماع الناس عليه ويكتب إليه بخبرهم . فقدم مسلم بن عقيل الكوفة مستخفيا وأتته الشيعة فأخذ بيعتهم وكتب إلى الحسين بن علي : إني قدمت الكوفة فبايعني منهم إلى أن كتبت إليك ثمانية عشر ألفا فعجل القدوم فإنه ليس دونها مانع . فلما أتاه كتاب مسلم أغذ السير حتى انتهى إلى زبالة ، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مأة ألف . وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة في آخر خلافة معاوية ، فهلك [ معاوية ] وهو عليها فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين فكتب إلى عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان ! ! ! وهو على البصرة ، فضم إليه الكوفة وكتب إليه بإقبال الحسين إليها ، فإن كان لك جناحان فطر حتى تسبق [ الحسين ] إليها . فأقبل [ عبيد الله إلى الكوفة ] متعمما متنكرا حتى دخل السوق ، فلما رأته السفلة وأهل السوق خرجوا يشتدون بين يديه وهم يظنون أنه حسين ، وذاك إنهم كانوا يتوقعونه فجعلوا يقولون لعبيد الله : يا ابن رسول الله الحمد لله الذي أراناك . وجعلوا يقبلون يده ورجله . فقال عبيد الله : لشد ما فسد هؤلاء . ثم مضى حتى دخل المسجد فصلى ركعتين ثم صعد المنبر وكشف عن وجهه ، فلما رآه الناس مال بعضهم على بعض وأقشعوا عنه . وبنى عبيد الله بن زياد تلك الليلة بأهله أم نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط . وأتي تلك الليلة برسول الحسين بن علي [ و ] قد كان أرسله إلى مسلم بن عقيل [ وكان ] يقال له : عبد الله بن يقطر فقتله . وكان قدم مع عبيد الله من البصرة شريك بن الأعور الحارثي وكان شيعة لعلي فنزل أيضا على هانئ بن عروة ، فاشتكى شريك فكان عبيد الله يعوده في منزل هانئ ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به . فهيئوا لعبيد الله ثلاثين رجلا يقتلونه إذا دخل عليهم . وأقبل عبيد الله فدخل على شريك يسأل به ، فجعل شريك يقول : ما تنظرون بسلمى أن تحيوها ؟ أسقوني ولو كان فيها نفسي . فقال عبيد الله : ما يقول ؟ قالوا : يهجر ! وتحشحش القوم في البيت فأنكر عبيد الله ما رأى منهم فوثب فخرج ، ودعا مولى لهانئ بن عروة كان في الشرطة فسأله فأخبره الخبر فقال : أولا . ثم مضى حتى دخل القصر ، وأرسل إلى هانئ بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال [ له ] : ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه ؟ فقال [ هانئ ] : يا ابن أخي إنه جاء حق هو أحق من حقك وحق أهل بيتك . فوثب عبيد الله وفي يده عنزة فضرب بها رأس هانئ حتى خرج الزج واغترز في الحائط ، ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه . وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج في نحو أربع مأة من الشيعة ! ! ! فما بلغ القصر إلا وهو في نحو من ستين رجلا ! فغربت الشمس واقتتلوا قريبا من الرحبة ، ثم دخلوا المسجد وكثرهم أصحاب عبيد الله بن زياد وجاء الليل فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة يقال لها : طوعة فاستجار بها . وعلم بذلك محمد بن الأشعث بن قيس فأخبر به عبيد الله بن زياد ، فبعث إلى مسلم فجئ به فأنبه وبكته وأمر بقتله . فقال [ مسلم ] : دعني أوصي . قال : نعم . فنظر [ مسلم ] إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال : إني لي إليك حاجة ، وبيني وبينك رحم . فقال عبيد الله : انظر في حاجة ابن عمك . فقام إليه فقال [ له مسلم ] : يا هذا إنه ليس ها هنا رجل من قريش غيرك ، وهذا الحسين بن علي قد أطلك ، فأرسل إليه رسولا فلينصرف فإن القوم قد غروه وخدعوه وكذبوه ، وإنه إن قتل لم يكن لبني هاشم بعده نظام ، وعلي دين أخذته منذ قدمت الكوفة فاقضه عني واطلب جثتي من ابن زياد فوارها . فقال له ابن زياد : ما قال لك ؟ فأخبره [ عمر ] بما قال ! فقال : قل له : أما مالك فهو لك لا نمنعك منه ، وأما حسين فإن تركنا لم نرده ، وأما جثته فإذا قتلناه لم نبال ما صنع به . ثم أمر به فقتل ، فقال عبد الله بن الزبير الأسدي في ذلك : [ ف‌ ] إن كنت لا تدرين بالموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل أصابهما أمر الامام ! ! ! فأصبحا * أحاديث من يهوى بكل سبيل ترى بطلا قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى عن طمار قتيل أيركب أسماء الهماليج آمنا * وقد طلبته مذجح بقتيل فإن أنتم لم تثأروا لأخيكم * فكونوا بغايا أرضيت بقليل يعني أسماء بن خارجة الفزاري [ و ] كان عبيد الله بن زياد بعثه وعمرو بن الحجاج الزبيدي إلى هانئ بن عروة فأعطياه العهود والمواثيق فأقبل معهما حتى دخل على عبيد الله بن زياد فقتله . قال : وقضى عمر بن سعد دين مسلم بن عقيل وأخذ جثته فكفنه ودفنه . وأرسل رجلا إلى الحسين فحمله على ناقة وأعطاه نفقة وأمره أن يبلغه ما قال مسلم بن عقيل . فلقيه على أربع مراحل فأخبره . وبعث عبيد الله برأس مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة إلى يزيد بن معاوية . وبلغ الحسين قتل مسلم وهانئ فقال له ابنه علي الأكبر : يا أبة ارجع فإنهم أهل [ نكث ] وغدر ] و [ قد تبين ] غدرهم وقلة وفائهم ولا يفون لك بشئ . فقالت بنو عقيل لحسين : ليس هذا بحين رجوع وحرضوه على المضي ، فقال الحسين لأصحابه : قد ترون ما يأتينا وما أرى القوم إلا سيخذلوننا فمن أحب أن يرجع فليرجع . فانصرف عنه [ الذين ] صاروا إليه في طريقه وبقي في أصحابه الذين خرجوا معه من مكة ، ونفير قليل [ ممن ] صحبه في الطريق فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرسا . قال : وجمع عبيد الله المقاتلة وأمر لهم بالعطاء وأعطى الشرط ، ووجه حصين بن تميم الطهوي إلى القادسية وقال له : أقم بها فمن أنكرته فخذه . وكان حسين قد وجه قيس بن مسهر الأسدي إلى مسلم بن عقيل قبل أن يبلغه قتله ، فأخذه حصين فوجه به إلى عبيد الله ، فقال له عبيد الله : قد قتل الله مسلما فقم في الناس فاشتم الكذاب ابن الكذاب ! ! ! فصعد قيس المنبر فقال : أيها الناس إني تركت الحسين بن علي ب‌ " الحاجر " وأنا رسوله إليكم وهو يستنصركم . فأمر به عبيد الله فطرح من فوق القصر فمات . ووجه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح في ألف إلى الحسين وقال : سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة وجعجع به . ففعل ذلك الحر بن يزيد . فأخذ الحسين طريق العذيب حتى نزل الجوف مسقط النجف ما يلي المائتين فنزل قصر أبي مقاتل [ كذا ] فخفق خفقة ثم انتبه يسترجع وقال : إني رأيت في المنام آنفا فارسا يسايرنا ويقول : القوم يسرون والمنايا تسرى إليهم . فعلمت أنه نعى إلينا أنفسنا . ثم سار حتى نزل كربلاء فاضطرب فيه ، ثم قال : أي منزل نحن به ؟ قالوا : بكربلاء . فقال : يوم كرب وبلاء . فوجه إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف وقد كان استعمله قبل ذلك على الري وهمذان ، وقطع ذلك البعث معه ، فلما أمره بالمسير إلى الحسين تأبى ذلك وكرهه واستعفى منه ، فقال له ابن زياد : أعطي الله عهدا لئن لم نسر إليه و [ لم ] تقدم عليه لأعزلنك من عملك وأهدم دارك وأضرب عنقك ! قال : إذا أفعل . فجاءته بنو زهرة [ و ] قالوا : [ له ] : ننشدك الله أن تكون أنت الذي تلي هذا من حسين فتبقى عداوة بيننا وبين بني هاشم ! ! ! فرجع إلى عبيد الله فاستعفاه فأبى أن يعفيه ، فصمم وسار إليه . و [ كان ] مع حسين يؤمئذ خمسون رجلا ، وأتاهم من الجيش عشرون رجلا وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلا . فلما رأى الحسين [ أن ] عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه ، قال : يا هؤلاء اسمعوا يرحمكم الله ما لنا ولكم ؟ ما هذا بكم يا أهل الكوفة ؟ قالوا : خفنا طرح العطاء ! ! ! قال : ما عند الله من العطاء خير لكم يا هؤلاء دعونا فلنرجع من حيث جئنا . قالوا : لا سبيل إلى ذلك ! قال : فدعوني أمضي إلي الري فأجاهد ديلم . قالوا : لا سبيل إلى ذلك ! قال : فدعوني أذهب إلى يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده * ( 1 ) قالوا : لا ولكن ضع يدك في يد عبيد الله بن زياد ! ! ! قال : أما هذه فلا . قالوا : ليس لك غيرها ! ! ! وبلغ ذلك عبيد الله فهم أن يخلي عنه وقال : والله ما عرض لشئ من عملي وما أراني إلا مخل سبيله يذهب حيث شاء - وإنما كان همة عبيد الله أن يثبت على العراق - [ ف‌ ] قال شمر ابن ذي الجوشن الضباني : إنك والله إن فعلت [ هذا ] وفاتك الرجل لا تستقيلها أبدا . فكتب [ عبيد الله ] إلى عمر بن سعد : الآن حين تعلقته حبالنا * يرجو النجاة ولات حين مناص فناهضه . وقال لشمر بن ذي الجوشن . سر أنت إلى عمر بن سعد ، فإن مضى لما أمرته وقاتل حسينا [ فكن معه ] وإلا فاضرب عنقه وأنت على الناس . قال : وجعل الرجل والرجلان يتسللون إلى الحسين من الكوفة فبلغ ذلك عبيد الله فخرج فعسكر بالنخيلة ، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث ، وأخذ الناس بالخروج إلى النخيلة وضبط الجسر فلم يترك أحدا يجوزه . وعقد عبيد الله لحصين بن تيمم الطهوي على ألفين ووجهه إلى عمر بن سعد مددا له . وقدم شمر بن ذي الجوشن الضبابي على عمر بن سعد بما أمره به عبيد الله عشية الخميس لتسع خلون من المحرم سنة إحدى وستين بعد العصر فنودي في العسكر فركبوا [ وزحفوا نحو معسكر الحسين ] والحسين جالس أمام بيته محتبيا ، فنظر إليهم قد أقبلوا [ إليه ] فقال للعباس بن علي بن أبي طالب : القهم فسلهم ما بدا لهم ؟ [ فاستقبلهم العباس ] فسألهم فقالوا : أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك أن تنزل على حكمه أو نناجزك ! ! فقال : انصرفوا عنا العشية حتى ننظر ليلتنا هذه فيما عرضتم ، فانصرف عمر . وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما أكرمه الله به من النبوة ، وما أنعم به على أمته وقال : إني لا أحسب القوم إلا مقاتلوكم غدا وقد أذنت لكم جميعا فأنتم في حل مني وهذا الليل قد غشيكم فمن كانت له منكم قوة فليضم رجلا من أهل بيتي إليه وتفرقوا في سوادكم * ( حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) * [ 52 / المائدة ] . فإن القوم إنما يطلبوني فإذا رأوني لهوا عن طلبكم . فقال أهل بيته : لا أبقانا الله بعدك ، لا والله لا نفارقك حتى يصيبنا ما أصابك . وقال ذلك أصحابه جميعا . فقال [ لهم الحسين ] : أثابكم الله على ما تنوون الجنة . فلما أصبح [ الحسين عليه السلام ] يومه الذي قتل فيه رحمة الله عليه قال : اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة [ وعدة ] وأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة . ثم قال الحسين لعمر وأصحابه : لا تعجلوا [ علي ] حتى أخبركم خبري : والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم : بأن السنة قد أميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطلت . فأقدم لعل الله تبارك وتعالى يصلح بك أمة محمد صلى الله عليه وسلم : فأتيتكم فإذ كرهتم ذلك فأنا راجع عنكم . وارجعوا إلى أنفسكم فانظروا هل يصلح لكم قتلى ؟ أو يحل لكم دمي ؟ . ألست ابن بنت نبيكم ؟ وابن ابن عمه وابن أول المؤمنين إيمانا ؟ أو ليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي ؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفي أخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني [ فلا تظلموني ولا تكونوا ظهيرا للمجرمين ] وإلا فاسألوا جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدري وأنس بن مالك وزيد بن أرقم . فقال شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ! ! ! فأقبل الحر بن يزيد - أحد بني رياح بن يربوع - على عمر بن سعد فقال : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال : نعم . قال : أما لكم في واحدة من هذه الخصال التي عرض [ عليكم الحسين ] رضى ؟ قال : لو كان إلي فعلت . فقال : سبحان الله ما أعظم هذا أن يعرض ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم ما يعرض فتأبونه ؟ ! ! ثم مال [ الحر ] إلى الحسين فقاتل معه حتى قتل ، ففي ذلك يقول الشاعر [ وهو ] المتوكل الليثي : ونعم الحر حر بني رياح * وحر عند مختلف الرماح ونعم الحر ناداه حسين * فجاد بنفسه عند الصباح وقال الحسين : أما والله يا عمر ليكونن لما ترى يوما يسؤوك . ثم رفع الحسين يده مدا إلى السماء فقال : اللهم إن أهل العراق غروني وخدعوني وصنعوا بحسن بن علي ما صنعوا اللهم شتت عليهم أمرهم وأحصهم عددا . وناوش عمر بن سعد حسينا ، فكان أول من قاتل مولى لعبيد الله بن زياد يقال له : سالم ، نصل من الصف فخرج إليه عبد الله بن تميم بن * ( 2 ) فقتله ، والحسين جالس عليه جبة خز دكناء وقد وقعت النبال عن يمينه وعن شماله ، وابن له - ابن ثلاث سنين - بين يديه فرماه عقبة بن بشر الأسدي فقتله . ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بن علي فقتله فقال سليمان بن قتة : وعند غني قطرة من دماءنا * وفي أسد أخرى تعد وتذكر قال : ولبس حسين لامته وأطاف به أصحابه يقاتلون دونه حتى قتلوا جميعا ، وحسين عليه عمامة سوداء وهو مختضب بسواد ، يقاتل قتال الفارس الشجاع . قال : ودعا رجل من أهل الشام علي بن الحسين الأكبر - وأمه آمنة بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي وأمها بنت أبي سفيان بن حرب - فقال : إن لك بأمير المؤمنين قرابة ورحما ، فإن شئت آمناك وامض حيث ما أحببت ؟ ! فقال [ علي الأكبر ] : أما والله لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن ترعى = من قرابة أبي سفيان : ثم كر عليه وهو يقول : أنا علي بن حسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي من شمر وعمر وابن الدعي قال : فأقبل عليه رجل من عبد القيس يقال له : مرة بن منقذ بن النعمان فطعنه [ فسقط ] فحمل فوضع قريبا من أبيه ، فقال له [ الحسين ] : قتلوك يا بني على الدنيا بعدك العفاء . وضمه أبوه إليه حتى مات ، فجعل الحسين يقول : اللهم [ إن أهل الكوفة ] دعونا لينصرونا فخذلونا وقتلونا . اللهم فاحبس عنهم قطر السماء ، وامنعهم بركات الأرض ، فإن متعتهم إلى حين ففرقهم شيعا واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا . وجاء صبي من صبيان الحسين يشتد حتى جلس في حجر الحسين فرماه رجل بسهم فأصاب ثغرة نحره فقتله ، فقال الحسين : اللهم إن كنت حبست عنا النصر [ آجلا ] فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة وانتقم لنا من القوم الظالمين . وخرج القاسم بن الحسن بن علي - وهو غلام عليه قميص ونعلان - فانقطع شسع نعله اليسرى فحمل عليه عمرو بن سعد الأزدي فضربه فسقط ونادى : يا عماه . فحمل عليه الحسين فضربه فاتقاها بيده فقطعها من المرفق فسقط [ الرجل ] وجاءت خيل الكوفيين ليحملوه وحمل عليهم الحسين فجالوا ووطئوه حتى مات . ووقف الحسين على القاسم فقال : عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك [ هذا ] يوم كثر واتره وقل ناصره ، وبعدا لقوم قتلوك . ثم أمر به فحمل ورجلاه تخطان على الأرض حتى وضع مع علي بن الحسين . وعطش الحسين فاستسقى - وليس معهم ماء - فجاءه رجل بماء فتناوله ليشرب ، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فيه فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله . وتوجه نحو المسناة يريد الفرات ، فقال رجل من بني أبان بن دارم : حولوا بينه وبين الماء . فعرضوا له فحالوا بينه وبين الماء وهو أمامهم ! فقال الحسين : اللهم أظمه . ورماه الأباني بسهم فأثبته في حنكه ، فانتزع السهم وتلقى الدم فملأ كفه وقال : اللهم إني أشكو إليك ما فعل هؤلاء . فما لبث الأباني إلا قليلا حتى رئي وإنه ليؤتى بالقلة أو العس - إن كان ليروي عدة - فيشربه فإذا نزعه عن فيه قال : أسقوني فقد قتلني العطش ! فما زال بذلك حتى مات . وجاء شمر بن ذي الجوشن فحال بين الحسين وبين ثقله فقال الحسين : رحلي لكم عن ساعة مباح [ كذا ] فامنعوه [ ما دمت حيا ] من [ رذا ] لكم وطغامكم وكونوا في دنياكم أحرارا إذا لم يكن لكم دين . فقال شمر : ذلك لك يا ابن فاطمة . قال : فلما قتل أصحابه وأهل بيته بقي الحسين عامة النهار لا يقدم عليه أحد إلا انصرف [ عنه ] حتى أحاطت به الرجالة . [ قال ] : فما رأينا مكثورا قط أربط جأشا منه ، إن كان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع ، وإن كان ليشد عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شد فيها الأسد . فمكث [ الحسين ] مليا من النهار والناس يتدافعونه ويكرهون الاقدام عليه ، فصاح بهم شمر بن ذي الجوشن : ثكلتكم أمهاتكم ماذا تنظرون به ؟ ! ! اقدموا عليه . فكان أول من انتهى إليه زرعة بن شريك التميمي فضرب كتفه اليسرى وضربه حسين على عاتقه فصرعه . وبرز له سنان بن أنس النخعي فطعنه في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره فخر الحسين صريعا ، ثم نزل إليه ليحتز رأسه ، ونزل معه خولي بن يزيد الأصبحي فاحتز رأسه ثم أتى به عبيد الله بن زياد فقال : أوقر ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس اما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا فلم يعطه عبيد الله شيئا . قال : ووجدوا بالحسين ثلاثا وثلاثين جراحة ، ووجدوا في ثوبه مأة وبضعة عشر خرقا من السهام وأثر الضرب . وقتل [ في ] يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين وله يؤمئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر . وكان جعفر بن محمد يقول : قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة . وقتل مع الحسين اثنان وسبعون رجلا . وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلا . و [ هذه أسماء من ] قتل [ من بني هاشم وأولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ] مع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : 1 - الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قتله سنان بن أنس النخعي ، وأجهز عليه وحز رأسه الملعون خولي بن يزيد الأصبحي . 2 - والعباس بن علي بن أبي طالب الأكبر ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم السنبسي من طئ . 3 - وجعفر بن علي بن أبي طالب الأكبر ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي . 4 - وعبد الله بن علي بن أبي طالب ، قتله [ أيضا ] هانئ بن ثبيت الحضرمي . 5 - وعثمان بن علي بن أبي طالب ، رماه خولي بن يزيد بسهم فأثبته ، وأجهز عليه رجل من بني أبان بن دارم . 6 - وأبو بكر ابن علي بن أبي طالب ، يقال : إنه قتل في ماقية . 7 - ومحمد بن علي بن أبي طالب الأصغر ، وأمه أم ولد قتله رجل من بني أبان بن دارم . 8 - وعلي بن الحسين الأكبر ، قتله مرة بن النعمان العبدي . 9 - وعبد الله بن الحسين قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي . 10 - وجعفر بن الحسين . 11 - وأبو بكر بن الحسين علي ، قتلهما عبد الله بن عقبة الغنوي . 12 - وعبد الله بن الحسن ، قتله حرملة الكاهلي من بني أسد . 13 - والقاسم بن الحسن قتله [ عمرو بن سعد الأزدي ] . 14 - وعون بن عبد الله بن جعفر ، قتله عبد الله بن قطبة الطائي . 15 - ومحمد بن عبد الله بن جعفر ، قتله عامر بن نهشل التميمي . 16 - ومسلم بن عقيل بن أبي طالب قتله عبيد الله بن زياد بالكوفة صبرا . 17 - وجعفر بن عقيل قتله بشر بن حوط الهمداني . ويقال : [ قتله ] عروة بن عبد الله الخثعمي . 18 - وعبد الرحمان بن عقيل قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشر بن حوط . 19 - وعبد الله بن عقيل وأمه أم ولد ، قتله عمرو بن الصبح الصدائي . 20 - وعبد الله بن عقيل الآخر - وأمه أم ولد - قتله عمرو بن صبح الصدائي . ويقال : قتله أسيد بن مالك الحضرمي . 21 - ومحمد ابن أبي سعيد ابن عقيل قتله لقيط الجهني . 22 - ورجل من آل [ أبي ] لهب لم يسم لنا . 23 - ورجل من آل أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقال له : أبو الهياج وكان شاعرا . وسليمان مولى الحسين بن علي قتله سليمان بن عوف الحضرمي . ومنجح مولى الحسين بن علي . وعبد الله بن يقطر رضيع الحسين . قتل بالكوفة ، رمي به من فوق القصر فمات ، وهو الذي قيل فيه : " وآخر يهوي من طمار قتيل " . وكان من قتل معه رضي الله عنه من سائر الناس من قبائل العرب من القبيلة الرجل والرجلان والثلاثة ممن صبر معه . وقد كان ابنا عبد الله بن جعفر لجئا إلى امرأة عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني وكانا غلامين لم يبلغا . وقد كان عمر بن سعد أمر مناديا فنادى : من جاء برأس فله ألف درهم . فجاء ابن قطبة إلى منزله فقالت له امرأته : إن غلامين لجئا إلينا فهل لك أن تشرف بهما فتبعث بهما إلى أهلهما بالمدينة ؟ قال : نعم أرنيهما . فلما رآهما ذبحهما وجاء برؤوسهما إلى عبيد الله بن زياد فلم يعطه شيئا ، فقال عبيد الله : وددت أنه كان جاءني بهما حيين فمننت بهما على أبي جعفر يعني عبد الله بن جعفر . وبلغ ذلك عبد الله بن جعفر فقال : وددت أنه كان جاءني بهما فأعطيته ألفي ألف . ولم يفلت من أهل بيت الحسين بن علي الذين [ كانوا ] معه إلا خمسة نفر : علي بن الحسين الأصغر ، وهو أبو بقية ولد الحسين بن علي اليوم ، وكان مريضا فكان مع النساء . وحسن بن حسن بن علي ، وله بقية . وعمرو بن حسن بن علي ، ولا بقية له . والقاسم بن عبد الله بن جعفر . ومحمد بن عقيل الأصغر . فإن هؤلاء استضعفوا فقدم بهم وبنساء الحسين بن علي وهن : زينب وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب . وفاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي . والرباب بنت أنيف الكلبية امرأة الحسين بن علي وهي أم سكينة وعبد الله المقتول ابني الحسين بن علي . وأم محمد بنت حسن بن علي امرأة علي بن الحسين . وموالي لهم ومماليك عبيد وإماء قدم بهم على عبيد الله بن زياد مع رأس الحسين بن علي ورؤوس من قتل معه رضي الله عنه وعنهم . ولما قتل الحسين بن علي رضي الله عنه انتهب ثقله فأخذ سيفه الفلافس النهشلي . وأخذ سيفا آخر [ له ] جميع بن الخلق الأودي . وأخذ سراويله بحر - الملعون - ابن كعب التميمي فتركه مجردا . وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الكندي فكان يقال له قيس قطيفة . وأخذ نعليه الأسود بن خالد الأودي . وأخذ عمامته جابر بن يزيد . وأخذ برنسه - وكان من خز - مالك بن نسير الكندي . وأخذ رجل من أهلي العراق حلي فاطمة بنت الحسين وهو يبكي ! ! فقالت : لم تبكى ؟ فقال : أسلب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبكي ؟ ! فقالت : دعه . قال : إني أخاف أن يأخذه غيري ! ! ! وكان علي بن الحسين الأصغر مريضا نائما على فراش ، فقال شمر بن ذي الجوشن الملعون : اقتلوا هذا . فقال له رجل من أصحابه : سبحان الله أيقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل ؟ ! وجاء عمر بن سعد فقال : لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ، ولا لهذا المريض . قال علي بن الحسين : فغيبني رجل منهم وأكرم نزلي واحتضنني وجعل يبكي كلما خرج ودخل حتى كنت أقول : إن يكن عند أحد من الناس وفاء فعند هذا ، إلى أن نادى منادي ابن زياد : ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاث مأة درهم . قال : فدخل والله علي وهو يبكي وجعل يربط يدي إلى عنقي وهو يقول : أخاف ! ! ! فأخرجني والله إليهم مربوطا حتى دفعني إليهم وأخذ ثلاث مأة درهم وأنا أنظر إليها [ كذا ] . فأخذت فأدخلت على ابن زياد فقال : ما اسمك ؟ قلت : علي بن الحسين . قال : أو لم يقتل الله عليا ؟ ! قال : قلت : كان لي أخ يقال له : علي [ وكان ] أكبر مني قتله الناس . قال : بل الله قتله . قلت : * ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) * فأمر بقتله فصاحت زينب بنت علي : يا ابن زياد حسبك من دمائنا أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه . فتركه . وأمر عمر بن سعد بثقل الحسين أن يدخل الكوفة إلى عبيد الله بن زياد ، وبعث إليه برأسه مع خولي بن يزيد الأصبحي . فلما حمل النساء والصبيان فمروا بالقتلى صرخت امرأة منهم : يا محمداه هذا حسين بالعراء ، مزمل بالدماء ، وأهله ونساؤه سبايا . فما بقي صديق ولا عدو إلا أكب باكيا ! ! ! ثم قدم بهم على عبيد الله بن زياد ، فقال عبيد الله : من هذه ؟ فقالوا : زينب بنت علي بن أبي طالب . فقال : كيف رأيت الله صنع بأهل بيتك ؟ قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بيننا وبينك وبينهم . قال : الحمد لله الذي قتلكم وأكذب حديثكم . قالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا . فلما وضعت الرؤس بين يدي عبيد الله بن زياد جعل يضرب بقضيب معه على في الحسين وهو يقول : يفلقن هاما من أناس أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأشأما فقال له زيد بن أرقم : لو نحيت هذا القضيب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع فاه على موضع هذا القضيب . قالوا : وأمر عبيد الله برأس الحسين فنصب . وأمر بحبس من قدم به عليه من بقية أهل الحسين معه في القصر . فقال [ له ] ذكوان أبو خالد : خل بيني وبين هذه الرؤس فأدفنها . ففعل فكفنها ودفنها بالجبانة . وركب إلى أجسادهم فكفنهم ودفنهم . وكان زهير بن القين قد قتل مع الحسين فقالت امرأته لغلام له يقال له : شجرة : انطلق فكفن مولاك . قال : فجئت فرأيت حسينا ملقى فقلت : أكفن مولاي وأدع حسينا ! ؟ [ قال : ] فكفنت حسينا ثم رجعت فقلت ذلك لها ، فقالت : أحسنت . وأعطتني كفنا آخر وقالت : انطلق فكفن مولاك . ففعلت . وأقبل عمر بن سعد فدخل الكوفة فقال : ما رجع رجل إلى أهله بشر مما رجعت به ! ! أطعت ابن زياد وعصيت الله وقطعت الرحم . قال : وقدم رسول من قبل يزيد بن معاوية يأمر عبيد الله أن يرسل إليه بثقل الحسين ومن بقي من ولده وأهل بيته ونسائه . فاستسلفهم أبو خالد ذكوان عشرة ألف درهم فتجهزوا بها * ( 3 ) . وقد كان عبيد الله بن زياد لما قتل الحسين بعث زحر بن قيس الجعفي إلى يزيد بن معاوية يخبره بذلك . فقدم عليه فقال [ له يزيد ] : ما وراؤك ؟ قال : يا أمير المؤمنين أبشر بفتح الله ونصره ! ! ! ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وفي سبعين من شيعته فسرنا إليهم فخيرناهم الاستسلام والنزول على حكم عبيد الله بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام فناهضناهم عند شروق الشمس وأحطنا بهم من كل ناحية ، ثم جردنا فيهم السيوف اليمانية ، فجعلوا يبرقطون إلى غير وزر ، ويلوذون منا بالآكام والامر والحفر لوذا كما لاذ الحمائم من صقر فنصرنا الله عليهم فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى كفى [ الله ] المؤمنين مؤنتهم ! ! ! فأتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مطرحة مجردة وخدودهم معفرة ومناخرهم مرملة تسفى عليهم الريح ذيولها بقي شبشب [ كذا ] تنتابهم عرج الضباع زوارهم العقبان والرخم ! ! ! قال : فدمعت عينا يزيد ! ! وقال : كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ! ! وقال : كذلك [ تكون ] عاقبة البغي والعقوق ! ! ! ثم تمثل يزيد : من يذق الحرب يجد طعمها * مرا وتتركه بجعجاع قال : وقدم برأس الحسين محفز بن ثعلبة العائذي - [ من ] عائذة قريش - على يزيد فقال : أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم ! ! ! فقال يزيد : ما ولدت أم محفز . أحمق وألام ! لكن [ كان ] الرجل لم يقرأ كتاب الله ! ! ! : * ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء * وتعز من تشاء وتضل من تشاء ) * . ثم قال بالخيزرانة بين شفتي الحسين وأنشأ يقول : يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما - والشعر لحصين بن حمام المري - فقال له رجل من الأنصار حضره : ارفع قضيبك هذا فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الموضع الذي [ قضيبك ] وضعته عليه * ( 4 ) . قال : ثم أتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين ومن بقي من أهله ونسائه فأدخلوا عليه [ و ] قد قرنوا في الحبال فوقفوا بين يديه فقال له علي بن الحسين : أنشدك بالله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وسلم لو رآنا مقرنين في الحبال أما كان يرق لنا ؟ ! فأمر يزيد بالحبال فقطعت وعرف الانكسار فيه . وقالت له سكينة بنت حسين : يا يزيد بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا ؟ فقال : يا بنت أخي هو والله علي أشد منه عليك ! وقال : أقسمت بالله لو أن بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه ، ولكن فرقت بينه وبينه سمية . وقال [ أيضا ] : قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين فرحم الله أبا عبد الله عجل عليه ابن زياد ، أما والله لو كنت صاحبه ثم لم أقدر على دفع القتل عنه إلا بنقص بعض عمري لأحببت أن أدفعه عنه ، ولوددت اني أتيت به سلما . ثم أقبل على علي بن حسين فقال : أبوك قطع رحمي ونازعني سلطاني فجزاه الله جزاء القطيعة والاثم . فقام رجل من أهل الشام فقال : إن سباءهم لنا حلال ! ! ! فقال علي بن حسين : كذبت ولؤمت ، ما [ كان ] ذاك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتأتي بغير ديننا ! . فأطرق يزيد مليا ثم قال للشامي : اجلس . ثم أمر بالنساء فأدخلن على نسائه ، وأمر نساء آل أبي سفيان فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام ، فما بقيت منهن امرأة إلا تلقتنا تبكي وتنحب وتحن على حسين ثلاثا . وبكت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز على حسين وهي يومئذ عند يزيد بن معاوية ، فقال يزيد : حق لها أن تعول على كبير قريش وسيدها . وقالت فاطمة بنت علي لامرأة يزيد : ما ترك لنا شئ . فأبلغت يزيد ذلك فقال يزيد : ما أتي إليهم أعظم ثم ما ادعوا شيئا ذهب لهم إلا أضعفه لهم . ثم دعا بعلي بن حسين وحسن بن حسن وعمرو بن حسن فقال لعمرو بن حسن - وهو يومئذ ابن إحدى عشرة سنة - : أتصارع هذا ؟ يعني خالد بن يزيد . قال : لا ولكن أعطني سكينا وأعطه سكينا حتى أقاتله فضمه إليه يزيد وقال : شنشنة أعرفها من أخزم ، هل تلد الحية إلا حية . قال : وبعث يزيد برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو عامل له يومئذ على المدينة ، فقال عمرو : وددت أنه لم يبعث به إلي ! فقال مروان : اسكت . ثم تناول الرأس فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبته فقال : يا حبذا بردك في اليدين * ولونك الأحمر في الخدين كأنما بات بمسجدين والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان ! وسمع عمرو بن سعيد الصيحة من دور بني هاشم فقال : عجت نساء بني زبيد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب - والشعر لعمر [ و ] بن معد يكرب في وقعة كانت بين بني زبيد ، وبين بني الحرث بن كعب - ثم خرج عمرو بن سعيد إلى المنبر فخطب الناس ثم ذكر حسينا وما كان من أمره وقال : والله لوددت أن رأسه في جسده وروحه في بدنه يسبنا ونمدحه ، ويقطعنا كعادتنا وعادته ! فقام ابن أبي حبيش - أحد بني أسد بن عبد العزي بن قصي - فقال : أما لو كانت فاطمة حية لأحزنها ما ترى ! فقال عمرو : اسكت - لا سكت - أتنازعني فاطمة وأنا من عقر ظبائها ؟ والله إنه لابننا وإن أمه لابنتنا ! ! ! أجل والله لو كانت [ فاطمة ] حية لأحزنها قتله ثم لم [ تلم ] من قتله يدفع عن نفسه ! ! ! فقال ابن أبي حبيش : إنه ابن فاطمة ، وفاطمة بنت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى . ثم أمر عمرو بن سعيد برأس الحسين فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه . وقال عبد الله بن جعفر : لو شهدته لأحببت أن أقتل معه . ثم قال : عز علي بمصرع حسين . ثم بعث * ( 5 ) يزيد إلى المدينة فقدم عليه بعدة من ذوي السن من موالي بني هاشم ثم من موالي بني علي وضم إليهم بعدة من موالي أبي سفيان ، ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من نسائه وأهله وولده معهم وجهزهم بكل شئ ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها . وقال لعلي بن حسين : إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت . وإن أحببت أن أردك إلى بلادك وأصلك ؟ قال : بل تردني إلى بلادي . فرده إلى المدينة ووصله ، وأمر الرسل الذين وجههم معهم أن ينزلوا حيث شاؤوا ومتى شاؤوا . وبعث بهم مع محرز بن حريث الكلبي ورجل من بهراء ، وكانا من أفاضل أهل الشام * ( 6 ) . * ( 1 ) وانظر ما تقدم في تعليق الحديث : ( 273 و 274 ) في ص 219 و 220 . * ( 2 ) كذا في الأصل ، وفي أنساب الأشراف : ج 3 ص 190 ، ط 1 : " وخرج يسار مولى زياد ، وسالم مولى ابن زياد فدعوا إلى المبارزة ، فقال عبد الله بن عمير الكلبي [ للحسين ] : " أبا عبد الله إئذن لي أخرج إليهما [ فأذن له ] فخرج رجل آدم طوال شديد الساعدين ، بعيد ما بين المنكبين فشد عليهما فقتلهما . . " . * ( 3 ) وأيضا قال ابن سعد في الحديث : " 110 " من الترجمة : أخبرنا علي بن محمد ، عن حباب ابن موسى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن حسين قال : حملنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية فغصت طرق الكوفة بالناس يبكون ! ! فذهب عامة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس ، فقلت : هؤلاء الذين قتلونا وهم الآن يبكون ! ! ! وروى أيضا الدارقطني في عنوان " باب محفر ومحفن " ولكن نسب ذيل الكلام إلى محفن وانه جرى بينه وبين معاوية كما في المؤتلف والمختلف ج 4 ص 2140 وعلقناه على الحديث : " 1109 " من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق 3 ص 76 ط 2 وراجع أنساب الأشراف ج 3 ص . * ( 4 ) وبعده في الطبقات الكبرى هكذا : قال [ ابن سعد ] : أخبرنا كثير بن هشام ، قال : حدثنا جعفر ابن برقان ، قال : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، قال : لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي جعل ينكت بمخصرة معه سنه ويقول : ما كنت أظن أبا عبد الله يبلغ هذا السن ؟ ! * ( 5 ) من قوله : " ثم بعث - إلى قوله - ومتى شاؤوا " كان مقدما في الأصل على قوله : " وبعث يزيد برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد . . " وأخرناه لأنه أوفق . * ( 6 ) وهذا المعنى ذكره ابن عساكر في ترجمة محرز من تاريخ دمشق : ج 54 ص 543 وفي النسخة الظاهرية ، ج 19 / الورق . . . ثم قال : وتقدم ذلك في ترجمة الحسين . أقول : قد سبرنا ترجمة الإمام الحسين من نسخة تركيا والظاهرية وكتبناها حرفية فلم نجد لما أشار إليه ابن عساكر عينا ولا أثرا فيستكشف من ذلك أن النواصب عمدوا إلى الترجمة فحذفوا منها ما رواه المصنف في مقتل الحسين عليه السلام ، سترا على مخازي بني أمية ومعاندة لأهل البيت عليهم السلام ! ! ! وليس هذا بأول مشاقاتهم وخياناتهم للحق والحقيقة ، ولهم مواقف جمة في معاندة الحق ووضع الأيادي الخائنة على التصرف في ودائع العلماء ! ! !

325

نام کتاب : ترجمة الإمام الحسين ( ع ) نویسنده : ابن عساكر    جلد : 1  صفحه : 325
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست