د - بعض أخبار عمرو ومعاوية يظهر أن عمرو بن العاص كان في خلافة معاوية يختلف كثيرا إلى الشام ، فكان الخليفة لا يقطع أمرا دون الاستعانة برأيه والعمل بمشورته ( 1 ) وقد عثرنا في تواريخ الطبري والمسعودي وأبي المحاسن وغيرها على أخبار عديدة عن عمرو بن العاص رأينا أن نأتي ببعضها علها تبين ما كان لهذا الرجل من جليل الأعمال وفاضل الصفات ، وإن كان التاريخ لم يكشف لنا أعمالا خاصة قام بها ذلك الأمير مدة ولايته الثانية على مصر كشق الترع وبناء الجسور وإقامة الأبنية وغيرها ، ولو طال عمره في هذه الولاية لما ضن علينا التاريخ بذكر كثير من إصلاحات ، إذ من المعقول أن مدة الثلاث أو الأربع سنوات التي مكثها في مصر لا تكفي أكبر قائد حربي ومصلح عظيم لإطفاء شعلة هذه الفتن التي كانت ضاربة أطنابها في البلاد ، لانقسام أهلها واختلاف ميولهم نحو معاوية وعلي ، فكان لكل منهما شيعة وأنصار .
وقد ذكر المسعودي أن عمرو بن العاص دخل يوما على معاوية بعد ما كبر ودق ومعه مولاه وردان فأخذا في الحديث وليس عندهما غير وردان فقال عمرو : ( يا أمير المؤمنين ما بقي مما تستلذه ؟ ) فقال معاوية : ( أما النساء فلا أرب لي فيهن ، وأما الثياب فقد لبست من لينها وجلدها حتى وهى بها جلدي فما أدري أيها ألين ، وأما الطعام فقد أكلت من لينه وطيبه حتى ما أدري أيه ألذ وأطيب ، وأما الطيب فقد دخل خياشيمي منه حتى ما أدري أيه أطيب ، فما شئ ألذ عندي من شراب

1 - ذكر الطبري أن عمرو بن العاص كان مع معاوية حين تسليم الحسن بن علي الأمر إلى معاوية ، وحين جرى الصلح بين معاوية وقيس بن سعد بعد أن امتنع هذا عن بيعته .

272