ومعه أهل الشام ، إذ أقبل علي بن الحسين بن أبي طالب ( عليهم السلام ) من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا [1] فطاف بالبيت ، فلما بلغ إلى الحجر تنحى الناس حتى يستلمه ، فقال رجل من أهل الشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام : لا أعرفه - مخافة ان يرغب فيه أهل الشام - وكان الفرزدق حاضرا فقال : لكني أعرفه ، فقال الشامي من هو يا أبا فراس ؟ فقال : هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته [2] * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضي [3] حياء ويغضى من مهابته * ولا يكلم إلا حين يبتسم من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم ينشق نور الهدى عن نور غرته * كالشمس ينجاب [4] عن إشراقها الظلم [5] مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم [6] والشيم [7] فقال : فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة وبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إلى الفرزدق بأثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من ذلك لوصلناك به ، فردها الفرزدق وقال : يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا ، فقال : شكر الله لك ذلك إلا إنا أهل البيت إذا أنفذنا أمرا لم نعد فيه ، فقبلها وجعل يهجو هشاما
[1] أرج أرجا : فاحت منه رائحة طيبة . [2] عرفان راحته مفعول لأجله . [3] الاغضاء : إدناء الجفون ، وأغضى على الشئ : سكت . [4] ينجاب ، انجابت السحاب : انكشفت . [5] في الأصل : القتم ، وما أثبتناه من البحار ، والقتم : الغبار . [6] الخيم - بالكسر - السجية والطبيعة . [7] الشيم - بالكسر - وهي الطبيعة .