وهو يظهر بما لا مجال معه لأي شك أو شبهة أن هذه القضية إنما هي من جملة ابتلاءات الأنبياء ، التي أراد الله من خلالها أن يظهر مكنونات ضمائرهم ، وحقيقة وشرف معادنهم وعناصرهم ، ومدى صفاء جوهرهم ، ليقيم بذلك الحجة على الناس ، ولتتمثل لهم الأسوة والقدوة ، بأجلى وأتم حالاتها ، وليبين لهم حقيقة مقاماتهم ، وأن الله قد اصطفاهم واجتباهم استحقاقاً منهم لذلك ، وتفضلاً منه عليهم . كما * ( . . ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) * [1] . واستحق النبي إبراهيم « عليه السلام » أن يعرف من اسم الله الأعظم ثمانية أحرف [2] . . وامتحن الله النبي آدم « عليه السلام » ، فنجح وأفلح ، واصطفاه الله ، واجتباه ، واستحق أن يعرف من اسم الله الأعظم خمسة وعشرين حرفاً . . كما ورد في الروايات لأنه رضي أن يتخلى عن كل شيء من الملذات والنعم ، والسعادات ، ويتحمل كل أنواع المتاعب ، والمصائب ، والبلايا الدنيوية ، في سبيل أن يكون في مقامات القرب والزلفى ، في المحل الأعلى ، مع محمد وأهل بيته الطاهرين . .
[1] الآية 124 من سورة البقرة . [2] ولعل لهذه الأحرف آثاراً في مجالات التصرف المختلفة التي يراد ، أو يفترض في كل نبي أن يتصدى لها ، وليس بالضرورة أن يكون لهذه الأحرف علاقة بسعة علم النبي المعطاء له ، كما أنها لا علاقة لها بأفضليته ، إذ لا شك في أفضلية النبي إبراهيم « عليه السلام » على سائر الأنبياء ، ما عدا نبينا الأكرم « صلى الله عليه وآله » ، فضلاً عن أن يمكن أن يكون لبعض الأحرف إحاطة وسعة بحيث تشمل غيرها من الأحرف على غرار الأسماء الإلهية ، فإنها رغم بلوغها تسع وتسعين اسماً ، فإن العلماء ردوها إلى سبعة ، واعتبروا هذه السبعة هي أجل الأسماء ، والباقي مندك تحتها ، والله أعلم .