إن الاحتياط ها هنا خلاف الاحتياط ، لأن النهي عن الشجرة إنما جاء بواسطة الإشارة الحسية إلى شجرة بعينها ، مع وجود مثيلات لها ، بالإضافة إلى القَسَم الذي واجه النبي آدم ، ونقل عهدة أي خطأ ليصبح في ساحة القدس الإلهية ، ليكون تعالى هو المتولي ، وهو الضامن ، والكافل . . هذا بالإضافة إلى ما رآه من ارتباط لتلك الشجرة بموجودات شريفة ، وعالية ، يذكو لديه الطموح للوصول إلى منازلها ، كما أشارت إليه الروايات . . فالنبي آدم قد عمل بما يفرضه عليه إيمانه ، وجلال وعظمة الله في قلبه وإجلاله لأسماء الله الحسنى الواردة في القسم ، وما يفرضه عليه الأخذ بالحجج والوسائل البيانية المتوفرة لديه . . وهذا ما يدعو إلى أن ينيله الله المزيد من الرحمة ، والمحبة ، وأن يصطفيه ويجتبيه إليه . . وليس في كلام إبليس ما يتناقض مع مفاد ذلك النهي بحسب الظاهر ، الذي لا بد للنبي آدم من التعامل على أساسه ، بل إن إبليس قد أكد له مفاده ، وذكَّره به ، وإنما خاطب النبي آدم « عليه السلام » بما هو خارج دائرة النهي ، وهو خصوصية في هذا النوع من الشجرة ، وهي أن أكله منها سوف يوصله إلى أنوار آل محمد التي شاهدها حول العرش ، وعرَّفه أن الوصول إلى ذلك ، دونه مشقات ومتاعب لم يرد الله أن يكلفه بها على سبيل الحتم والجزم . . وقد جاءت المقاسمة لتمثل التجاء الطرفين إلى الله ، لجعل الأمر في ضمانته وكفالته سبحانه وتعالى ، ليتولى هو قصاص من يكذب ، أو يغش . وكان لا بد للنبي آدم أن يسعى لنيل تلك المقامات لشدة تعلقه بالله ومحبته له ، ولم يكن النبي آدم « عليه السلام » مكلفاً بالواقع ، بل بما تؤدي إليه الوسائل والدلالات الظاهرية . . كما أنه لم يكن يعلم أنه غير قادر على الوصول إلى تلك المواقع العالية لهم « عليهم السلام » . .