هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكيا وفطنا للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون [1] ، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ . إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة [2] ، هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئا مصطنعا . والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع ، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها [3] ، بينما لم يحدثنا إطلاقا عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجا يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه . وهذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليست مجرد افتراض ، كما أن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عبر الرسالات والزعامات الربانية . ويكفي مثالا لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت ( عليهم السلام ) يحيى ( عليه السلام ) إذ قال الله سبحانه وتعالى : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ) سورة مريم : 12 .
[1] أي على أنه يجب أن يكون أفضل الناس ، وأعلم الناس كما هو معتقد الإمامية الاثني عشرية . راجع : حق اليقين في معرفة أصول الدين للسيد عبد الله شبر ( ت / 1242 ه ) 1 : 141 ، المقصد الثالث . [2] يقصد تقديم الإمام الصبي للاختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر . [3] قد فعل المأمون ذلك ، وانكشف لدى الخاص من العلماء مدى ما يمتلكه الإمام الجواد ( عليه السلام ) من الفقه والعلم . راجع : الصواعق المحرقة لابن حجر : ص 123 .