ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم ، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلا أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي ، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كل واحد من الأئمة الأحد عشر ، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه ، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية ، وما كان يبثه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى ، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة تفاعلا مستمرا بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم . و - إن الخلافة المعاصرة للأئمة ( عليهم السلام ) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها ، وعلى هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة ، وتحملت في سبيل ذلك كثيرا من السلبيات ، وظهرت أحيانا بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك ، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة [1] أنفسهم على الرغم مما يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم . إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار ، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك ، أمكن أن نخرج بنتيجة وهي : أن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهما من الأوهام ، لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن
[1] راجع في تاريخ الأئمة ( عليهم السلام ) ، وتعرضهم للاضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحيانا : أ - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي . ب - مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني . ج - الإرشاد للشيخ المفيد .