ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة ، وهو السؤال الذي يقول : هل للفرد مهما كان عظيما القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم ؟ وهل الفرد العظيم إلا ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهة لها في تحقيق حركتها ؟ والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره على أساس أن الإنسان عامل ثانوي [1] فيه ، والقوى الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي ، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلا التعبير الذكي عن اتجاه هذا العامل الأساسي . ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من كتبنا المطبوعة [2] أن التاريخ يحتوي على قطبين : أحدهما الإنسان ، والآخر القوى المادية المحيطة به . وكما تؤثر القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان ، يؤثر الإنسان أيضا فيما حوله من قوى وظروف ، ولا يوجد مبرر لافتراض أن الحركة تبتدئ من المادة وتنتهي بالإنسان إلا بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العكس ، فالإنسان والمادة يتفاعلان
[1] إشارة إلى نظرية المادية التاريخية ، أي إلى التفسير الماركسي للتاريخ ، راجع : اقتصادنا 1 : 19 ، وفيه تحليل علمي ومناقشة فلسفية عميقة بقلم الإمام الشهيد الصدر ( رضي الله عنه ) . [2] إشارة إلى كتاب ( فلسفتنا ) ، وإلى مقدمة كتاب ( اقتصادنا ) .