لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة ؟ وإذا كان قد أعد نفسه للعمل الاجتماعي ، فما الذي منعه عن الظهور على المسرح في فترة الغيبة الصغرى أو في أعقابها بدلا عن تحويلها إلى غيبة كبرى ، حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي والتغييري وقتئذ أبسط وأيسر ، وكانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى تتيح له أن يجمع صفوفه ويبدأ عمله بداية قوية ، ولم تكن القوى الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة والقوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي والصناعي ؟ والجواب : أن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية لا يتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عندما تتوفر تلك الشروط والظروف . وتتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية [1] ، لأن الرسالة التي تعتمدها
[1] على الرغم من الأهمية التي يعطيها الشهيد الصدر ( رضي الله عنه ) هنا للظروف الموضوعية ، ودور نضوجها أو إنضاجها في نجاح الثورات - وهذا فهم عميق لأثر العامل الاجتماعي والنفسي - إلا أن الشهيد الصدر ( رضي الله عنه ) يعرض نظرية جديدة في فهم عملية التغيير الاجتماعي الذي تحدثه السماء من خلال الرسالات السماوية ، فهي في جانبها الرسالي ترتبط بقانونها الخاص ، ولكن في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية وترتبط بها توقيتا ونجاحا ، وأعني بالظروف الموضوعية : الحالة السياسية والحالة الاجتماعية للأمة والواقع الدولي المعاصر ، ومدى قدرة الأمة في إمكاناتها الذاتية واستعدادها النفسي .