آخر ما نزل من القرآن ليس من المبالغة القول : إن البحث الجاد في أسباب نزول آيات القرآن وسوره ، من شأنه أن يحدث تحولاً علمياً ، لأنه سيكشف حقائق كثيرة ، ويبطل بعض المسلَّمات التي تصور الناس لقرونٍ طويلةٍ أنها حقائق ثابتة ! ذلك أن الجانب الرياضي في أسباب النزول أقوى منه في موضوعات التفسير الأخرى . . فعندما تجد خمس روايات في سبب نزول آية ، وكل واحدة منها تذكر سبباً وتاريخاً لنزولها ، وهي متناقضة في المكان ، أو الزمان ، أو الحادثة . . فلا يمكنك أن تقول كلها مقبولة ، وكل رواتها صحابة ، وكلهم نجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا . . بل لا بد أن يكون السبب واحداً من هذه الأسباب ، أو من غيرها ، والباقي غير صحيح ! ولهذه الطبيعة المحددة في سبب النزول ، كانت أسبابه مادةً حاسمة في تفسير القرآن . . وإن كانت صعوبة البحث فيها تعادل غناها ، بل قد تزيد عليه أحياناً ، لكثرة التشويش ، والتناقض ، والوضع في رواياتها ! ومهما تكن الصعوبة ، فلا بد للباحثين في تفسير القرآن وعلومه ، أن يدخلوا هذا الباب بفعاليةٍ وصبر ، ويقدموا نتائج بحوثهم إلى الأمة والأجيال ،