ثم قدم لهم عذره ، لأنه اضطر أن ينزلهم في مكان قليل الماء والشجر ، ولم يمهلهم حتى يصلوا إلى بلدة الجحفة المناسبة لنزول مثل هذا القافلة الكبيرة ، المتوفر فيها ما يحتاج إليه المسافر . . ولا انتظر بهم وقت الصلاة ، بل ناداهم قبل وقتها ، وكلفهم الاستماع إليه في حر الظهيرة . . أخبرهم صلى الله عليه وآله أن جبرئيل عليه السلام نزل عليه في مسجد الخيف ، وأمره أن يقيم علياً للناس . . ثم قال لهم : إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً ، وخفت الناس أن يكذبوني ، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني : أمتي حديثو عهد بالجاهلية ، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي ، يقول قائل ، ويقول قائل ! فأتتني عزيمة من الله بتلة ( قاطعة ) في هذا المكان ، وتواعدني إن لم أبلغها ليعذبني . وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس ، وهو الكافي الكريم ، فأوحى إلي : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس ، إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) . ثم قال صلى الله عليه وآله : لا إله إلا هو ، لا يؤمن مكره ، ولا يخاف جوره ، أقرُّ له على نفسي بالعبودية ، وأشهد له بالربوبية ، وأؤدي ما أوحى إلي ، حذراً من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعةٌ ، لا يدفعها عني أحدٌ ، وإن عظمت حيلته . أيها الناس : إني أوشك أن أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون ؟ فقالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت . فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن الجنة حقٌ وأن النار حقٌ وأن البعث حق ؟