أسأله عمّا جئت له - فدفعت إليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق السحيق ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ثم ختمها فثبت فيها النقش ، فنظرت والله إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين عليه السلام ، فقلت له : فمن وصيك جعلني الله فداك ؟ قال : الذي يفعل مثل ما فعلت ولا تدركين من بعدي مثلي ، قالت اُمّ سليم : فاُنسيت ان أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول الله وعلي والحسن والحسين صوات الله عليهم ، فلما خرجت من البيت ومشيت شوطاً ، ناداني يا أم سليم ! قلت : لبيك ; قال : ارجعي ; فرجعت فإذا هو واقف في صرحة داره وسطاً ، ثم مشى فدخل البيت وهو يتبسّم ، ثم قال : اجلسي يا اُمّ سليم فجلست ، فمدّ يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة ، وغابت يده عني ، ثم قال : خذي يا أم سليم ! فناولني والله كيساً فيه دنانير وقرطان من ذهب وفصوص كانت لي ! من جزع في حق لي كانت في منزلي ، فقلت : يا سيدي اما الحق فأعرفه ، وأما ما فيه فلا أدري ما فيه غير انّي أجدها ثقيلا ، قال : خذيها وامضي لسبيلك ، قالت : فخرجت من عنده فدخلت منزلي وقصدت نحو الحق فلم أجد الحق في موضعه ، فإذا الحق حقّي ، قالت : فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم والحمد لله ربّ العالمين . قال الشيخ أبو عبد الله : سألت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي عن هذه أم سليم ; وقرأت عليه اسناد الحديث للعامة واستحسن طريقها وطريق أصحابنا فيه ، فما عرفت أبا صالح الطرطوسي القاضي فقال : كان ثقة عدلا حافظاً ; وأما أم سليم فهي امرأة من النمر بن قاسط ، معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، قال : وليست أم سليم الأنصارية أم انس بن مالك ، ولا أم سليم الدوسية ، فإنها لها صحبة ورواية ( 1 ) ; ولا أم سليم انما الخافضة التي كانت تخفض
1 - قال المؤلف ( رحمه الله ) : ( يعني : رأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وروت عنه ) .