وعلى هذا نقول : إذا كان مراده ، العقب والخلف ان يكون ظاهراً بين الخلق ، فلم يدع احد ذلك ، وإذا كان مراده نفي الخلف مطلقاً حتى بنحو ما تقوله الإمامية وجماعة انّه كان مقرراً من يوم ولادته الاختفاء والستر عن الاجانب ولا يراه احد الّا الثقات والخواص احياناً . وكانت الاسباب المتعارفة لاختفائه موجودة فضلا عن الاسباب الخفيّة الالهيّة . فيكفي لرد ابن حزم في هذا المقام شهادته على نفيه فان طريق علمه مسدود على مثله وأمثاله . فمع كثرة خدم وحاشية الإمام العسكري عليه السلام وكثرة خواصه وثقاته الذين يقدمون ارواحهم تلبية لأوامره عليه السلام ، ومع كثرة زوجاته وجواريه فانّه إذا كان يولد من احداهنّ ولد كان يأمر بكتمانه . وفي رواية المسعودي انّه أرسله مع جدّته في سنة وفاته ، ولم يذكر في المحافل اسم أحد من تلك الجماعة والأعوان الذين رافقوه ( 1 ) ، فضلا عن اظهار سائر المطالب . فمن أي طريق يمكنه لابن حزم ان يحصل على النفي الّا طريق التخمين والظن ،
1 - قال المسعودي في ( اثبات الوصية ) ص 217 : " ثم أمر أبو محمد عليه السلام والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرفها مايناله في سنة الستين ، وأحضر الصاحب عليه السلام فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه . وخرجت أم ابي محمد مع الصاحب عليه السلام جميعاً إلى مكة ; وكان احمد بن محمد بن مطهر ابو علي المتولي لما يحتاج إليه الوكيل ، فلما بلغوا بعض المنازل من طريق مكة تلقى الاعراب القوافل فأخبروهم بشدّة الخوف ، وقلة الماء ، فرجع اكثر الناس الّا مَنْ كان في الناحية فانهم نفذوا وسلموا . وروي انّه ورد عليهم ( عليه السلام ) بالنفوذ " .