آثار ونتائج : وقد استمر المنع من كتابة الحديث وروايته عشرات السنين . وأصبح التحاشي عنه هو الصفة المميزة لعلماء الأمة وطليعتها المثقفة . بل لقد صارت كتابة الحديث عيباً أيضاً ، حتى في أوائل عهد بني مروان . ومضت السنون والأحقاب ، ومات الصحابة الأخيار ، بل أوشك التابعون على الانقراض أيضاً . ونشأت أجيال وأجيال ، لم تسمع أحداً يذكر شيئاً عن نبيها ، ولا عن مواقفه ، وتعاليمه ، وسيرته ومفاهيمه . وتربت هذه الأجيال على النهج الفكري الذي أراده لها الحكام والمتسلطون ، والموتورون والحاقدون ، وتلامذة أهل الكتاب ، والمعجبون بهم . وذهب الدين وتلاشى ، حتى لم يبق من الإسلام إلا اسمه ، ومن الدين إلا رسمه ، حسبما روي عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، الذي لم يعش إلا إلى سنة أربعين من الهجرة . ثم ازداد البلاء بعد ذلك ، وبرح الخفاء ، إلى حد الفضيحة ، فاضطر عمر بن عبد العزيز إلى القيام بعمل رمزي ضعيف وضئيل ، لم يكن له أي أثر يذكر على الصعيد العملي ، على مستوى الأجيال والأمة . ثم بدأت الحركة الحقيقية باتجاه التدوين في أواسط القرن الثاني للهجرة ، حسبما تقدم توضيحه . وخلاصة الأمر : أن الحال قد تردت خلال أقل من ثلاثين سنة من وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى ذلك الحد الذي أشار إليه سيد الوصيين ( عليه السلام ) . وطمست معظم معالم الدين ، ومحقت أحكام الشريعة ، كما أكدته نصوص كثيرة . وكان ذلك في حين أن الصحابة وعلماءهم كانوا لا يزالون على قيد