فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ! حدّثنا عن ميّت الأحياء ، قال : « نعم ، إنّ الله تعالى بعث النبيّين مبشرين ومنذرين فصدّقهم مصدقون ، وكذّبَهم مكذبون ، فيقاتلون من كذّبهم بمن صدّقهم ، فيظهرهم الله ثم يموت الرسل ، فتخلف خلوف ، فمنهم منكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه ، فذلك استكمل خصال الخير ، ومنهم منكر للمنكر بلسانه وقلبه تارك له بيده ، فذلك خصلتان من خصال الخير تمسك بهما ، وضيّع خصلة واحدة وهي أشرفها ، ومنهم منكر للمنكر بقلبه تارك له بيده ولسانه ، فذلك ضيّع شرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة ، ومنهم تارك له بلسانه وقلبه ويده ، فذلك ميّت الأحياء » . فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ! أخبرنا على ما قاتلت طلحة والزبير ؟ قال : « قاتلتهم على نقضهم بيعتي ، وقتلهم شيعتي من المؤمنين : حكيم بن جبلة العبدي من عبد القيس ، والسائحة [1] ، والأساورة [2] بلا حق استوجبوه منهما ، ولا كان ذلك لهما دون الإمام ، ولو أنهما فَعلا ذلك بأبي بكر وعمر لقاتلاهما ، ولقد علم مَن ههنا مِن أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ أبا بكر وعمر لم يرضيا ممن امتنع من بيعة أبي بكر حتى بايع وهو كاره ، ولم يكونوا بايعوه بعد الأنصار ، فما بالي وقد بايعاني طائعينَ غير مكرَهينَ ؟ ! ولكنهما طمعا منّي في ولاية البصرة واليمن ، فلما لم أولّهما ، وجاءهما الذي غلب من حبهما للدنيا وحرصهما عليها ، خفت أن يتخذا عباد الله خولاً ، ومال المسلمين لأنفسهما ، فلمّا زويت ذلك عنهما وذلك بعد أن جرّبتهما واحتججت عليهما » .
[1] - هكذا في النسخ المطبوعة والصواب ( السبابجة ) وهم قوم من السند ، كانوا بالبصرة كشرطة وحرّاس السجن ، الصحاح 1 : 321 ، ( سبج ) . [2] - الأساورة : قوم من العجم نزلوا بالبصرة كالأحامرة بالكوفة ، القاموس المحيط 2 : 54 ( سورة ) .