وإلى القارئ عرض صور الحديث عند البخاري ، ومن بعد صوره عند مسلم . فماذا عند البخاري ؟ الجواب : عنده بصورة ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) وعنده بصورة ( لا نورّث ما تركنا فهو صدقة ) وعنده بصورة ثالثة : ( لا نورّث ما تركناه صدقة ) وكل من هذه الصور الثلاث وردت في عدة مواضع من صحيح البخاري سأعرضها أمام القارئ سنداً ومتناً ، معتمداً على طبعة بولاق الموثقة بأختام مشيخة الإسلام أيام عبد الحميد السلطان العثماني عام 1313 ه ، ليرى الاختلاف الموهن للاستدلال . الصورة الأولى : وردت أولاً في كتاب الجهاد والسير [1] ، قال البخاري : حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدّثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين ، أخبرته أنّ فاطمة عليها السّلام ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سألت أبا بكر . . . أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) . فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ستة أشهر ، قالت : وكانت فاطمة تسأل نصيبها مما ترك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من خيبر وفدك ، وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يعمل به إلاّ وعملت به ، فإنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس ، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، فهما على ذلك إلى اليوم .
[1] - صحيح البخاري 4 : 79 ، كتاب الجهاد والسير ، باب فرض الخمس .