وأيضاً ما دام الإمام كان مغرماً باسم حرب لأنّه شجاع ، ويحب أن يكتني بأبي حرب وقد غيّره النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لماذا لم يعدل إلى ما يرادف ذلك في المعنى كالهيجاء والوغى والقتال والنزال والطعان ، فينال بذلك مبتغاه حين يلقّب بأبي الهيجاء مثلاً ، أو أبي الوغى ، وأبي مقاتل ، وأبي منازل ، وأبي مطاعن ، كما كان العرب يفعلون ذلك ، وحتى كانوا يكتنون بأسماء آلات الحرب كالصارم والهندي والخطي ، فهذا أبو الصوارم ، وذاك أبو الخطي ، وثالث أبو الهندي ، وهكذا دواليك ، فخذ ما شئت من أمثلة لديك . فقد جاء في حديث رواه الصدوق في معاني الأخبار [1] بسنده عن أحمد بن أشيم ، قال للرضا عليه السّلام : جعلت فداك لم سمّوا العرب أولادهم بكلب ونمر وفهد وأشباه ذلك ؟ قال : « كانت العرب أصحاب حرب ، فكانت تهوّل على العدو بأسماء أولادهم » ، ويسمون عبيدهم فرج ومبارك وميمون وأشباه ذلك يتيمّنون بها . ثم لو كانت إرادته اسم المعنى الوصفي من حرب ، لتحول بعد التغيير الأول إلى بعض مشتقاته اللفظية ، مثل ( محارب ) فيسمى ولده الثاني أو الثالث ، ولينظر هل كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقرّه على ذلك أم يغيّره ؟ ثم أنّ سيرة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في حروبه كلّها كانت سيرة مثلي ، تأبى على مناوئيه وأعدائه فضلاً عن أوليائه أن يقولوا بأنّه كان يحب الحرب ، لأنّه شجاع متعطش لإراقة الدماء وإزهاق الأرواح . فإنّا نقرأ حياته في الحروب التي خاض غمارها أيّام الرسول الكريم ( بدءاً من بدر ثم اُحد وحنين والأحزاب وخيبر وإلى آخرها ، فلم يكن يعدو أوامر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولم يرهق الناس بطشاً حتى يؤذن له . وما حديث مبارزته لعمرو بن عبد ود إلا دليل على تلك السيرة المثلى ، فهو حيث يقرّره بأنّه يجيب إلى إحدى خصال ثلاث ، فيبدأ بدعوته إلى الاسلام ،
[1] - معاني الأخبار للصدوق : 391 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1 : 315 .