ولكنّهم تشبثوا في المقام بنسائج العنكبوت ، وأقوى من شمّر فاشتهر بحرارة الدفاع وطول الباع ، هو قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني ، إلا أنّه لم يحسن قيلاً ولم يغن فتيلاً ، ولقد انبرى لتفنيد مزاعمه وأباطيله ، وكشف تدجيله وأضاليله ، الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله [1] في كتابه الشافي ، وهو شافٍ وكافٍ ، وقد لخصه الشيخ الطوسي رحمه الله . ومن الخير أن أعرض أمام القارئ ملخص ما قاله الأول عبد الجبار وما رد الثاني الشريف المرتضى في خصوص المقام نقلاً عن تخليص الشافي ؛ لئلا يظن بنا ظان غير الحق والصدق . كما ننقل ذلك برواية ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي في كتابه شرح نهج البلاغة ، فهو قد نقل النص عن الشافي بواسطة تلخيصه ، وإن لم يصرّح بذلك . ما ذكره قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي : روى ابن أبي الحديد في شرح النهج [2] ، قال : قال : قاضي القضاة . . . : ومما طعنوا به على أبي بكر أنه قال عند موته : ليتني كنت سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن
[1] - أقول : وشمّر ابن أبي الحديد عن ساعديه ، وانبرى ناصباً من نفسه قاضياً ، فعقّب على كلام الشريف المرتضى وناقشه في رده على قاضي القضاة ، في مسألة الشك في الإمامة ، وتمني أبي بكر السؤال عنها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ورده على القاضي في الاستشهاد بالآية المباركة في مسألة إبراهيم عليه السّلام ، وأطال في ذلك فمن أراده فليراجعه . ويعنينا في المقام تعقيبه على تمني أبي بكر عدم كشف بيت فاطمة عليها السّلام ، وقد أنكره قاضي القضاة وأثبته الشريف المرتضى ، قال ابن أبي الحديد : وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة عليها السّلام فقد تقدم الكلام فيه ، والظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى والشيعة ، ولكن لا كل ما يزعمونه ، بل كان بعض ذلك ، وحقٌ لأبي بكر أن يندم ويتأسّف على ذلك ، وهذا يدل على قوة دينه وخوفه من الله تعالى ، فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعناً عليه . . . . [2] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 164 .