أقول : فعلينا أن لا نتسرع في الحكم رعاية لرضا من يرضى ، أو اغاضة سخط من يسخط ، فلسنا قضاة موقف ، بل علينا أن نستعرض الأحداث بجميع حيثياتها من خلال قراءة رواياتها ، من مصادرها المقبولة لدى الراضي والساخط ، بعد الانتقاء مما شيب بالتلميع أو التشنيع . أما اختيارنا لمجموعة المؤرّخين ، فسيكون كما أشرنا من قبل من مختلفي المشارب والمذاهب ، بل وحتى من مختلفي البقاع والأصقاع في الشرق والغرب ، فمن الدينور إلى الأندلس . وهؤلاء ليس فيهم جميعاً من الشيعة أحد ؛ لأنّهم سرعان ما تتناولهم ألسنة الطاعنين بأسنّة القدح والتجريح ، وأنّهم لا يحتج بهم في المقام لأنّهم رافضة ؟ ! ومع كل هذه الحيطة ، لم نعدم زعم الزاعمة ولا تنطع راغم : إنّ المؤرّخ الفلاني لا يعتمد قوله لأنّه يميل إلى الرفض ، كما قيل عن ابن جرير الطبري ، والحاكم النيسابوري ، والمسعودي الشافعي ، وغيرهم . بل تتصاعد حمّى التجريح للمؤرّخ إذا روى ما يدين السلف ، ويجرح كبرياء الذات لدى الجارح ، ألم يقولوا عن الشهرستاني صاحب الملل والنحل الذي هو في أشعريته أشهر من أن يذكر ، وأظهر من نار على علم ، قالوا : بأنّه غال في التشيع ؟ والرجل في كتابيه ( الملل والنحل ) و ( نهاية الإقدام في علم الكلام ) يحمل على الشيعة بلا هوادة ، وأحسب فيما أظن أتاه التجريح لأنّه روى في كتابه ( الملل والنحل ) قول النظام من شيوخ المعتزلة في الهجوم على بيت الزهراء عليها السّلام ، وضربها وإسقاطها المحسن السبط . وإن عزّت تلك التهم في إلصاقها بالمؤرخ ، فثمة نفثة تسرب الشك في نسبة المصدر إلى صاحبه ؛ ليسقط الكتاب الذي روى الحَدَث عن الاعتبار ما دام لم