ومن ضعفاء المؤمنين [ أحد ] وقال لعليّ : إذا أبرمت ما أمرتك به كن على أهبّة الهجرة [1]
[1] الهجرة معناها الانتقال من بلد إلى آخر ، أو من مكان إلى غيره ، فراراً بالدين ، ورهبةً وخوفاً وحفظاً وصيانةً للنفس من أن تصيبها مضرّات من قِبل الظلمة وحكّام الجور أعداء الله ورسوله . وفعلا هاجر الصادق الأمين ( صلى الله عليه وآله ) في بداية دعوته إلى شعب أبي طالب وعبد المطّلب - وكانوا جميعاً هم بنو هاشم - وهم السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار . وكان عليّ ( عليه السلام ) أعظمهم مؤاساةً لعظيمهم ( صلى الله عليه وآله ) حيث كان ( عليه السلام ) يرقد في فراشه كلّ ليلة مدّة ثلاث سنين بأمر من أبيه شيخ الأبطح خوفاً من الفتك والغيلة أو الغفلة والغفوة . وكان ( عليه السلام ) ممتثلا لأمر شيخ الأبطح ، وهو امتحان عسير يعجز القلم عن وصفه ، وكأنه الامتحان الّذي ابتلى به الله إسماعيل حين صاراً ذبيحاً لأبيه إبراهيم كما في قوله تعالى ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَبُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّبِرِينَ ) الصافّات : 102 . ورغم التوافق والمشابهة بين القضيتين غير أنّ هنالك فارق بينهما ، لأن قضية إبراهيم ( عليه السلام ) مع ابنه يبقى الحنان الأبوي مهما كان نوع القتل فيه شفقة ورحمة بخلاف ما لو قدر للأعداء الشرسين الكفرة المجرمين كما فعلوا بابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأولاده وأصحابه وسبى نساءه . ولسنا الآن بصدد المقارنة . أمّا الهجرة الثانية : فهي الهجرة إلى الحبشة والّتي أمر بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اثنان وثمانون رجلا مع جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولسنا بصدد بيانها الآن أيضاً . أمّا الهجرة الثالثة : فهي للأنصار الأوّلين وهم العقبيّون بإجماع أهل السِير والتاريخ وكانوا سبعين رجلا ، وأول من بايع فيها أبو الهيثم بن التيهان . أمّا الهجرة الرابعة : فهي للمهاجرين إلى المدينة ، والسابق فيها : مصعب بن عمير ، وعمّار بن ياسر ، وأبو سلمة المخزومي ، وعامر بن ربيعة ، وعبد الله بن جحش ، وابن أُمّ مكتوم ، وبلال ، وسعد ، ثمّ ساروا إرسالا . ولسنا بصدد بيانها أيضاً . إنّ الحديث الّذي رواه الغزالي في كتابه المذكور : 3 / 238 ، تحت عنوان " بيان الإيثار وفضيلته " من كتاب ذمّ المال رواه مرسلا ، لكن الحديث رواه كثير من أصحاب التفسير والحديث والسِير ، فرواه الثعلبي في تفسير الآية الكريمة من تفسير الكشف والبيان ، ورواه ابن البطريق في خصائص الوحي المبين : 59 ، والفيض في المحجة البيضاء : 6 / 80 ، والأميني في الغدير : 2 / 48 ط بيروت ، والطوسي في الأمالي : 16 ، والرازي في تفسيره : 2 / 152 ، مرسلا ، وابن الأثير في أُسد الغابة : 4 / 25 و 18 و 19 وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : 141 ط بيروت ، وابن شهرآشوب في المناقب : 2 / 65 ، والبحراني في تفسيره البرهان : 1 / 207 ح 11 الطبعة الثانية ، ورواه صاحب غاية المرام : باب 45 ص 346 ، والإربلي في كشف الغمّة : 1 / 310 ط بيروت ، والحافظ الكنجي في كفاية الطالب : باب 62 ص 239 ، ورواه في تعليقه على إحياء العلوم : 3 / 238 ، والشبلنجي في نور الأبصار : 77 و 86 ، والحاكم في المستدرك : 3 / 133 ، وابن عساكر في تاريخه / ترجمة الإمام عليّ ( عليه السلام ) : 1 / 202 ح 248 و 249 الطبعة الثانية ، والطبراني في المعجم الكبير : 3 / 168 ، والنسائي في خصائصه : 23 ط النجف ، والبلاذري في أنساب الأشراف : ح 41 من ترجمة الإمام عليّ ، وابن سعد في طبقاته : 3 / 21 ، و : 8 / 35 و 162 ط بيروت ، مسند أحمد بن حنبل : 1 / 330 ح 1266 الطبعة الأُولى و 373 ط أُخرى ، وص 348 وكذلك ح 291 ، مسند أبي داود الطيالسي : 360 ح 2753 . وإليك بعض نماذج الحديث ، فمثلا الفخر الرازي في تفسيره الكبير قال في ذيل الآية : نزلت في عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) بات على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . . ثمّ قال : إنه لمّا نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ مَن مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة . وفي أُسد الغابة لابن الأثير 4 : 25 روى بسنده عن الثعلبي قال : فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل ( عليهما السلام ) : وانّي آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر . . . أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب . . . وجبريل ينادي : بخ بخ مَن مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عزّوجلّ بك الملائكة . . . وذكر المناوي في كنوز الحقائق : أنّ الله يباهي بعلّي ( عليه السلام ) كلّ يوم الملائكة . ورواه صاحب الرياض النضرة المحبّ الطبري : 2 / 203 ، وذخائر العقبى : 60 و 86 ، ومجمع الزوائد : 7 / 27 ، و : 9 / 119 ، وكنز العمّال : 3 / 155 ، و : 8 / 333 ، وتاريخ بغداد : 13 / 191 ، شواهد التنزيل تحقيق المحمودي : 123 - 133 ح 133 - 143 ، وهذه الأحاديث تذكر الحديث وسبب نزول الآية الكريمة أيضاً . ورواه الصفوري في نزهة المجالس : 2 / 209 ، وابن هشام في السيرة : 2 / 291 ، العقد الفريد : 3 / 290 ، مناقب الخوارزمي : 75 ، ورواه اليعقوبي في تاريخه : 2 / 39 منشورات الشريف الرضي مطبعة أمير قم الطبعة الأُولى . أمّا سبب نزول الآية : فإنّها نزلت في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما نقل أكثر جهابذة التفسير والمحدّثين والمؤرّخين على الرغم من أنّ الشواذّ منهم قال : إنها نزلت في صهيب ، وقال آخر : إنّها نزلت في الزبير والمقداد ، ولا يهمّنا هذا الاختلاف بعد أن أورد الثعلبي في تفسيره " الكشف والبيان " وغيره من أعيان الأمة عن ابن عباس أنها نزلت لمّا هرب [ هاجر ] النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) من المشركين إلى الغار خلّفه لقضاء دَينه وردّه ودائع الناس ، فبات عليّ على فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وأحاط المشركون بالدار ، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل : أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة . . . وقد ذكرنا مصادر الحديث آنفاً فراجع . إذن ، سبب نزول الآية في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب حين بات على فراش النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عند الهجرة ، ولسنا بصدد الدفاع والبيان بمن نزلت وعند مَن نزلت بل إنّ الفدائي الأوّل هو عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) كما تشير المصادر التالية الّتي حصّلنا عليها ، ونحن نذكرها على سبيل المثال لاَ الحصر : إحياء علوم الدين للعلاّمة الغزالي : 3 / 238 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 13 / 261 - 267 ط مصر تحقيق محمّد أبو الفضل ، تاريخ دمشق لابن عساكر / ترجمة الإمام عليّ : 1 / 137 ح 187 و 188 و 184 ح 249 و 186 ح 250 و 190 ح 251 . شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 96 حديث 133 - 137 و 139 - 142 . و 123 تحقيق المحمودي ، مجمع الزوائد : 6 / 51 ، و : 7 / 27 ، و : 9 / 120 ، ذخائر العقبى : 87 ، الرياض النضرة : 2 / 271 و 272 الطبعة الثانية و 269 و 270 الطبعة الثانية ، بحار الأنوار : 36 / 48 - 49 و 63 ، و 38 / 289 ، و : 39 / 85 ، خصائص الوحي المبين : 94 ح 64 و 98 ، العمدة لابن بطريق : 240 - 242 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 1 / 228 ، و : 8 / 52 و 223 ، الغدير للأميني : 1 / 50 و 51 ، و : 2 / 47 ، و : 3 / 197 ، كفاية الطالب : 239 و 240 ط الحيدرية و 114 - 115 ط الغري ، تذكرة الخواص 35 - 200 ط الحيدرية و 21 و 115 ط آخر ، تفسير الفخر الرازي : 5 / 223 ط البهية ، و : 2 / 283 ط الطباعة بمصر . أمّا في أُسد الغابة : 4 / 25 و 95 ط المكتبة الإسلامية للحاج رياض الشيخ قام بتصوير الكتاب بالأُوفست فقد حرّف الحديث مع الأسف الشديد وجنى على الله ورسوله والإسلام جناية كبرى لاَ مثيل لها في تاريخ الإنسانية والبشرية معاً ، بل محرّفها فَقَدَ أدنى مستويات الخُلق البشري والإنساني وتدنّا إلى المستوى الحيواني - إن صحّ التعبير - فقد بدّل كلمة " بات على فراشه " بكلمة يندى لها جبين الإنسانية ونحن نقولها من باب اطّلاع الكاتب والمؤرّخ والمحقّق المنصف على هذا المستوى ثمّ يُحكّم عقله في مثل هذه النقولات وهي " بال على فراشه " بينما يوجد الحديث صحيحاً في أُسد الغابة لابن الأثير : 4 / 25 ط المطبعة الوهبية بمصر ، وفضائل الخمسة : 1 / 230 ، و : 2 / 309 ، نور الأبصار : 78 ط السعيدية وص 78 ط العثمانية وص 96 ط دار الفكر ، ينابيع المودّة : 34 و 35 و 92 ط إسلامبول و 105 و 386 ط الحيدرية ، و : 1 / 273 ط أُسوة ، السيرة النبوية لزين دحلان بهامش السيرة الحلبية : 1 / 306 ، إحقاق الحقّ للتستري : 8 / 335 ط طهران ، و : 3 / 189 . وكذلك في مروج الذهب : 2 / 285 ، الكافي : 8 / 280 ح 536 ، دلائل الصدق للشيخ المظفر : 2 / 127 و 538 و 539 ، و : 2 : 82 ط قم بصيرتي ، إعلام الورى : 191 ، الطرائف : 33 ، تفسير الحاكم الحسكاني : 1 / 96 و 133 - 142 ، تفسير الثعلبي : 799 ، مسند أحمد : 5 / 25 ح 3062 بسند صحيح ط دار المعارف بمصر ، تفسير الطبري ، تفسير القرطبي " الجامع لأحكام القرآن " ، تفسير النيسابوري ، البحر المحيط لأبي حيان المغربي : 2 ، روح المعاني للآلوسي : 2 ، المستدرك للحاكم : 3 : 4 و 133 و 132 ، تلخيص المستدرك للذهبي وصحّحه في ذيل المستدرك . وأيضاً في تاريخ الطبري : 2 / 99 ، الكامل في التاريخ : 2 / 103 ، العقد الفريد : 5 / 99 الطبعة الثانية ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 29 ط الغري ، سيرة ابن هشام : 2 / 91 ، المناقب لابن شهرآشوب : 2 / 57 ، فرائد السمطين : 1 / 328 ح 255 و 330 ح 256 خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 6 - 64 ط الحيدرية و 15 ط بيروت و 70 تحقيق المحمودي . الإصابة : 2 / 509 ، أنساب الأشراف : 2 / 106 ح 43 ، المناقب للخوارزمي : 72 و 127 فصل 12 ح 141 .