وفي صحيح البخاري [1] عن أبي حازم أنّ رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال :
[1] صحيح البخاري : 4 / 207 و 208 ، و : 5 / 23 المناقب ط إحياء التراث العربي بيروت ، صحيح مسلم : 2 / 451 كتاب الفضائل : ح 38 / 2409 وفيهما اختلاف مع ما ورد في نُسخ الكتاب في السند والمتن ولا يغيّر في المعنى ، كنوز الحقائق : 108 ، الصواعق المحرقة : 121 الباب التاسع الفصل الثاني ح 40 رقم 52 ، كشف الغمّة : 1 / 93 ، بحار الأنوار للمجلسي : 35 / 51 . ولسنا بصدد بيان تكنية الإمام عليّ ( عليه السلام ) بأبي تراب من قِبل النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ولكن بما أنها لم تقع مرّة واحدة بل إنها وقعت مراراً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد التبس الأمر على البعض كالناكثين ( أصحاب الجمل ) والقاسطين ( معاوية وأصحابه ) والمارقين ( الخوارج ) فأصبح الأمر بهذه التكنية كأنها عارٌ عليه ( عليه السلام ) من قِبل بني أُمية وأتباعهم مع أنها موضع الفخر والاعتراز فكانت من أحبّ كناه إليه ( عليه السلام ) وكان يفرح إذا دُعي بها ، وهو صاحب الكنى الكثيرة والّتي كنّاه بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فهو أمير المؤمنين ، ويعسوب الدين والمسلمين ، ومبير الشرك والمشركين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ومولى المؤمنين ، وشبه هارون ، والمرتضى ، ونفس الرسول ، وأخوه ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، وأبو السبطين ، وأمير البررة ، وقاتل الفجرة ، وقسيم الجنة والنار ، وصاحب اللواء ، وسيّد العرب ، وخاصف النعل ، وكاشف الكرب ، والصدّيق الأكبر ، وأبو الريحانتين ، وذوالقرنين ، والهادي ، والفاروق ، والداعي ، والشاهد ، وباب المدينة ، والولي ، والوصي . . . الخ . أورد هذه الألقاب العلاّمة الإربلي في كشف الغمّة : 1 / 93 . وقال الخوارزمي : وأنا أقول في ألقابه ( عليه السلام ) : هو أمير المؤمنين ، ويعسوب المسلمين ، وغرّة المهاجرين ، وصفوة الهاشميين . . . الكرّار غير الفرّار . . . أبو تراب ، مجدّل الأتراب ، معفّرين بالتراب ، رجل الكتيبة والكتاب ، والمحراب [ والحراب ] والطعّان والضرّاب . . . الخ . ( المناقب للخوارزمي : 40 ط جماعة المدرّسين في قم ) . وجاءت هذه التكنية له من قِبله ( صلى الله عليه وآله ) من باب الملاطفة ولكن أعداءه جعلوها نقيصة له ( عليه السلام ) ووصمة عليه ، فكأنّما كسوه بها الحلّي والحلل كما قال الحسن البصري . انظر شرح النهج لابن أبي الحديد : 1 / 11 ولهذا ولغيره أحببنا أن نورد بعض الأحاديث في وجه تسميته بأبي تراب . روى العلاّمة الأميني ( رحمه الله ) عن الشيخ علاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل : 6 / 337 : أوّل من كنّي بأبي تراب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) كنّاه به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين وجده راقداً وعلى جنبه التراب فقال له ملاطفاً : قم يا أبا تراب . وجاء في المناقب لابن شهرآشوب : 3 / 111 عن الطبري وابن إسحاق وابن مردويه أنّه قال عمّار : خرجنا مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة العشيرة فلمّا نزلنا منزلا نمنا فما نبهنا إلاّ كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعليّ : " يا أبا تراب " لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب ] وروى ابن المغازلي في مناقبه : 8 / 5 بسنده عن عمّار بن ياسر قال : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) رفيقين في غزوة العشيرة - إلى أن قال : - ثمّ غشينا النوم . . . حتّى اضطجعنا في صور - صغار - من النخل وفي دقعائها ، فوالله ما أهَبَّنا إلاّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحرّكنا برجله ، وقد تترّبنا من تلك الدقعاء الّتى نمنا فيها ، فيومئذ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) مالك ، يا أبا تراب ؟ . وروى الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " عن ابن عبّاس كما جاء في الغدير : 6 / 334 في حديث المؤاخاة : لمّا آخى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار - إلى أن قال ( صلى الله عليه وآله ) : - قم ، فما صلحت أن تكون إلاّ أبا تراب . وجاء في فرائد السمطين : 1 / 117 وتاريخ دمشق لابن عساكر : 1 / 23 رقم 33 . بإسنادهما عن حفص بن جميع قال : حدّثني سمّاك بن حرب قال : قلت لجابر : إنّ هؤلاء القوم يدعونني إلى شتم عليّ ( عليه السلام ) ، قال : وما عسيت أن تشتمه به ؟ قال : أُكنّيه بأبي تراب ، قال : فوالله ما كانت لعلي ( عليه السلام ) كنية أحبّ إليه من أبي تراب . ثمّ ذكرا حديث المؤاخاة وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : قم يا أبا تراب ، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبردته . وعن مجاهد عن ابن عمر كما جاء في البحار : 35 / 50 قال : بينا أنا مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في نخل المدينة وهو يطلب علياً ( عليه السلام ) إذ انتهى إلى حائط فأطلع فيه فنظر إلى عليّ ( عليه السلام ) وهو يعمل في الأرض وقد اغبرّ فقال : ما ألوم الناس في أن يكنّوك أبا تراب . وجاء في الغدير أيضاً : 6 / 335 عن الجامع الكبير للسيوطي وأبو يعلى في مسنده بإسناده عن عليّ ( عليه السلام ) قال : طلبني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجدني في جدول نائماً فقال : ما ألوم الناس يسمّونك أبا تراب . ومن أراد الاطّلاع على هذه الأحاديث الصحيحة السند وخاصّة الحديث الّذي نحن بصدده في كتاب الفصول المهمّة فعليه مراجعة المصادر التالية : تاريخ الطبري : 2 / 124 و 261 ، خصائص النسائي : 39 ، مسند أحمد بن حنبل : 4 / 262 و 263 ، مستدرك الصحيحين : 3 / 140 ، مشكل الآثار للطحاوي : 1 / 351 ، كنز العمّال : 6 / 154 و 399 ، و : 4 / 390 ، مجمع الزوائد : 9 / 100 و 111 و 136 ، تاريخ ابن كثير : 3 / 247 ، السيرة النبوية لابن هشام : 2 / 236 ، عمدة القاري للعيني : 7 / 630 ، طبقات ابن سعد : 509 ، عيون الأثر لابن سيّد الناس : 1 / 226 ، الإمتاع للمقريزي : 55 ، السيرة الحلبية : 2 / 142 ، تاريخ الخميس : 2 / 264 ، علل الشرائع : 157 ، الجامع الكبير للسيوطي : 6 / 399 ، ينابيع المودّة : 1 / 162 و 163 الطبعة الأُولى مطبعة أُسوة ، و : 2 / 79 و 402 . ورواه البخاري : 5 / 23 باختلاف بسيط في كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد وكتاب الأدب وباب التكنّي بابي تراب وكتاب الاستيذان وباب القائلة في المسجد ، ورواه ابن جرير الطبري في تاريخه : 2 / 124 ، وأبو نعيم ، وابن مردويه ، وابن شاهين في حديث : أنّ علياً ( عليه السلام ) غضب على فاطمة ( عليها السلام ) فوجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : قم يا أبا تراب ، قم يا أبا تراب ، وذكره ابن البيّع في أُصول الحديث ، والخركوشي في شرف النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وشيرويه في الفردوس مع اختلاف يسير في اللفظ . ولسنا بصدد بيان صحة هذه القصة والّتي أصبح فيها الخلط بين هذا الحديث والحديث السابق الصحيح السند في تسمية عليّ ( عليه السلام ) بأبي تراب . وهاهو أبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيّيّن : 40 - منشورات الشريف الرضي الطبعة الأُولى إيران - يسرد القصّة وكأنها من المسلّمات عنده . والمحقّق والشارح لكتابه السيّد أحمد صَقر لاَ يعلّق على هذه القصّة بشيء بل يورد في : 41 بأنّ القصّة مصادرها موجودة في مرآة الجنان : 1 / 108 ، ومسند أحمد : 4 / 263 ، والقسطلاني : 6 / 138 وعمدة القاري : 22 / 214 ، وصفة الصفوة : 4 / 145 . وروى القصّة أيضاً صاحب غاية المرام : 6 باب 7 و 14 ب 6 من المقصد الأوّل ح 1 ، عن أمالي الصدوق عن أبي هريرة قال : صلّى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الفجر ، ثمّ قام بوجه كئيب وقمنا معه حتّى صار إلى منزل فاطمة ( عليها السلام ) فأبصر علياً ( عليه السلام ) نائماً بين يدي الباب على الدقعاء ، فجلس النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول : قم فداك أبي وأُمّي يا أبا تراب ، ثمّ أخذ بيده ودخلا منزل فاطمة ( عليها السلام ) فمكثا هنيئة ، ثمّ سمعنا ضحكاً عالياً ثمّ خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بوجه مشرق ، فقلنا : يا رسول الله دخلت بوجه كئيب وخرجت بخلافه ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : كيف لاَ أخرج وقد أصلحتُ بين اثنين أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء . وروى ابن المغازلي في مناقبه : 9 / 6 مثله ولكن لاَ أُريد التعليق على هذه الزيادة بل أكتفي بما رواه الصدوق ( رحمه الله ) بسنده عن حبيب بن أبيثابت وغيره بعد نقل هذا الحديث قال : ليس هذا الخبر عندي بمعتمد ولا هو لي بمعتقد لأنّ علياً وفاطمة ( عليها السلام ) ما كانا ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الإصلاح بينهما ، لأنّه سيد الوصيّين ، وهي سيدة نساء العالمين ، مقتديان بنبي الله في حُسن الخلق . ( انظر غاية المرام أيضاً : 6 باب 7 المقصد الأوّل ح 1 ) . وانظر حديث الاستيعاب لابن عبد البرّ المالكي بهامش الإصابة : 3 / 54 لم تجد هذه الزيادة بل جاء فيه : قال : دخل عليّ ( عليه السلام ) على فاطمة ( عليها السلام ) ثمّ خرج عن عندها فاضطجع في صحن المسجد فدخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ( عليها السلام ) فقال : أين ابن عمّك ؟ قالت : هو ذاك مضطجع في المسجد . . . ومثله بدون الزيادة في مسند الصحابة : 186 ح 38 كما ذكرنا ذلك سابقاً ، فان عشت أراك الدهر عجباً .