إلى الأوج الأعلى والقمّة الشاهقة من آفاقهم ، فإذا أسماؤهم ومآثرهم كالشهب الوهّاجة تتلألأ في كبد السماء ما دامت الحياة . وقليل الّذين ترتسم أسماؤهم في كلِّ أُفق من تلكمُ الآفاق ، وتستنير مآثرهم مدى الحياة ، إلاّ أُولئك الأفذاذ الّذين ارتفعت بهم الطبيعة ، فكان لهم من نبوغهم النادر وشأنهم العظيم ما يجعلهم أفذاذاً في دنيا الفكر الإسلامي كلّها ، ومنهم الشيخ المؤلّف ، فقد شاءت المنحة الإلهية والإرادة الربّانية أنْ تبارك عمله ويراعه وبيانه ، فتخرج منهم للأجيال والشعوب نتاجاً فكرياً من أفضل النتاج ، وغذاءً معنوياً تتغلّب به على التيّارات السامّة الوافدة عليها من خارج الوطن الإسلامي ، وما تحيكه أذناب الجهل والعمالة داخل الوطن من انحراف مسير المسلمين واتجاهاتهم البنّاءة الهادفة إلى توحيد الكلمة وكلمة التوحيد . وقد لاَ أكون مبالغاً ولا متعصّباً ولا منحازاً حين أُطلق العنان للقلم فيسجّل : أنّ ابن الصبّاغ يتقدّم بما أنتجه وكتبه وصنّفه إلى الطليعة من علماء المالكية ورجالاتها الّذين كرّسوا حياتهم طول أعمارهم لخدمة الحقّ والواقع ، وبهذا استحقّ أن يتصدّر مجلس المالكية في العالم الإسلامي الحاضر ، وحتّى في عصوره المقبلة . لقد منح - المترجَم له - لكلِّ لحظة من لحظات حياته حساباً خاصّاً ، ومسؤوليةً هامّة يتساءل عنها ويحاسب عليها ، فبنى حياته على قول الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) حيث يقول : " والفرصة تمرُّ مرَّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير " [1] . ومنه أخذ ابن المقفّع عبد الله ، فقال : انتهز الفرصة في إحراز المآثر ، واغتنم الإمكان باصطناع الخير ، ولا تنتظر ما يعامل فتجازى عنه مثله ، فإنّك إن عوملت بمكروه واشتغلت ترصد أوان المكافأة عنه قصر العمر بك عن اكتساب فائدة وافتناء منقبة ، وتصرّمت أيّامك بين تعدٍّ عليك وانتظار للظفر بإدراك الثأر من