سبيلي فإني قد وصلت إلى أرذل العمر فقال خالد : أعطني السم لكي أراه . فأعطاه له ثم تناوله خالد وشربه وقال : بسم الله وبالله رب الأرض والسماء الذي لا يضر معه [1] شيء في الأرض ولا في السماء وفي الحال : خرج منه عرق غزير أذهب أثر السم عنه . وآنذاء قال خالد : أيها الشيخ : اتق الله وادخل في دين محمد فإن معي رجالا . يستهينون بالموت ولا يبالون ببذل الروح [2] . فقال الشيخ : أمهلني حتى أراجع قومي وأخبرهم بما رأيت ثم أعود إليك . فقال خالد : اذهب فلما ذهب والتقى بقومه وأخبرهم ما رأى من استهانة المسلمين بالموت حتى إن السم القاتل لا يؤثر بهم ، وأنهم يحبون الموت كما تحبون الحياة ، فوافقوا على اقتراح عبد المسيح ورضوا بدفع مبلغ مائة ألف درهم وطيلسان شيرويه بن كسرى وقيمته ثلاثون ألف درهم . فأرسل خالد تلك الأموال كلها إلى الصديق رضي الله عنه . وكان ذلك أول ما أرسل من أموال العجم للمدينة المنورة . ثم كتب خالد كتاب الصلح [3] وسلمه إليهم ثم رجع . ونادى خالد جرير بن عبد الله البجلي وجعل تحت قيادته ألف رجل من المهاجرين والأنصار وعين له موضعا يقال له ( بانقيا ) [4] وأمره بالذهاب إليه وكان في ذلك المكان ( داذويه بن فرخان ) وذكر في الطبري أنه ( صلوبا بن نسطونا ) . ولما وصل جيش جرير إلى شاطئ النهر وأرادوا أن يعبروه إذ جاءهم رجل من ( بانقيا ) يعرض الصلح على جرير بن عبد الله مقابل مائة ألف درهم [5] . فرضي
[1] في الطبري 3 / 363 : مع اسمه داء . [2] في الطبري 3 / 344 قال له خالد ولأصحابه : أدعوكم إلى الله وإلى الاسلام . فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين ، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم . [3] نسخة كتاب الصلح في الطبري 3 / 364 وانظر الوثائق السياسية ص 379 وفتوح البلدان ص 245 . [4] بانقيا ناحية من نواحي الكوفة على شاطئ الفرات ( معجم البلدان ) . [5] في فتوح الأزدي : ألف درهم وطيلسان . وفيه أن خالد كان قد بعث قبل جرير ، بشير بن سعد في مائتي رجل فأغاروا عليها وقتلوا فرخزاد بن هرمز ، وقد رمي بشير فجرح وعاد إلى خالد جريحا فأرسل خالد عندئذ جريرا إليهم .