في الحصن من قبائل كندة ، فقال لهم الأشعث بن قيس : يا بني عم ! ما الرأي ؟ فقالوا : والله الرأي أن نموت كراما ، قال الأشعث : إن كنتم عزمتم على ذلك فافعلوا كما أفعل حتى أعلم أنكم صادقين ، قال : ثم ضرب الأشعث بيده إلى ناصيته فجزها وربطها على رأس رمحه وجز القوم نواصيهم وربطوها في رؤوس رماحهم وتبايعوا على الموت [1] ، فلما أصبح الأشعث أمر بباب الحصن ففتح ، واستوى الأشعث على فرسه وخرج في أوائل القوم ، قال : وخرج خلفه الخنفشيش بن عمرو وظفيرته معقودة في رأس رمحه ، قال : ثم خرج من بعده سعيد بن معدى كرب ، قال : فكان كلما خرج رجل من أشرافهم خرج معه قومه وعشيرته . قال : واختلط القوم فاقتتلوا على باب الحصن قتالا لم يقتتلوا مثله في يوم من الأيام حتى قتل من الفريقين بشر كثير ، قال : وأثخن الأشعث بالجراحات فولى منهزما هو وأصحابه حتى دخلوا الحصن فحصرهم المسلمون حصارا شديدا . قال : وسمعت بذلك قبائل كندة ممن كان تفرق عن الأشعث بن قيس لما قتل رسول أبي بكر رضي الله عنه فقال بعضهم لبعض : يا قومنا ! إن بني عمنا قد حصروا في حصن النجير وهذا عار علينا أن نسلمهم فسيروا بنا إليهم ، قال : فسارت قبائل كندة يريدون محاربة المسلمين وبين أيديهم الجبر بن القشعم الارقمي شاك في السلاح ، واقبل أبو قرة الكندي في قومه من بني الحارث ، وأقبل أبو الشمر الكندي في قومه من بني حمير . [2] قال : وبلغ زياد بن لبيد مسير هؤلاء القوم إنه فكأنه جزع لذلك ثم أقبل على عكرمة بن أبي جهل فقال له : ما ترى ؟ فقال عكرمة : أن تقيم أنت على باب الحصن محاصرا لمن فيه حتى أمضى أنا فألتقي هؤلاء القوم ، فقال زياد : نعم ما رأيت ! ولكن انظر يا عكرمة ! إن ظفر الله عز وجل بهم فلا ترفع السيف عنهم أو تبيدهم عن آخرهم ، فقال عكرمة : لست آلو جهدا فيما أقدر عليه إن شاء الله تعالى ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قال : ثم جمع عكرمة أصحابه وسار حتى وافى القوم وقد تعبى تعبية الحرب فلم يكذب عكرمة أن حمل عليهم في جميع أصحابه
[1] في الطبري : 3 / 336 قالوا : الموت خير مما أنتم فيه ، جزوا نواصيكم حتى كأنكم قوم قد وهبتم لله أنفسكم ، فأنعم عليكم فبؤتم بنعمه ، لعله أن ينصركم على هؤلاء الظلمة ، فجزوا نواصيكم ، وتعاقدوا وتواثقوا ألا يفر بعضهم عن بعض . [2] كذا ، وفي كتاب الردة للواقدي : ( جمر ) .