الوباء الحظ الأوفر ، إنك على كل شيء قدير . ذكر وفاة معاذ وولده عبد الرحمن . قال : ثم انصرف معاذ بن جبل إلى منزله فإذا بابنه قد نزل به الطاعون ، فلما نظر إليه معاذ على تلك الحالة [1] قال : يا بني ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) ، فقال عبد الرحمن : يا أبة ( ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) . ( 1 ) قال : ثم مات عبد الرحمن بن معاذ رحمة الله عليه ، فأمر بغسله وكفنه وحنوطه ، ثم صلى عليه ودفنه . فلما رجع إلى منزله نزل به ما نزل بابنه من الطاعون ، فسقط على فراشه ، فجعل المسلمون يختلفون إليه ويدعون له بالسلامة والعافية ويخافون عليه من الموت ، فكان لا يدخل عليه قوم منهم إلا وعظهم وقال : أيها الناس ! اعملوا وأنتم ( 2 ) تستطيعون العمل ( 3 ) من قبل أن تتمنوا العمل فلا تجدون إلى ذلك سبيلا ، أيها الناس ! أنفقوا مما عندكم ليوم معادكم من قبل أن تهلكوا وتذروا ذلك كله ميراثا ، واعلموا أنه ليس لكم من أموالكم إلا ما أكلتم فأفنيتم ، ولبستم فأبليتم ، وأنفقتم وأعطيتم ما مضيتم ، وما سوى ذلك فللوارثين . قال : فقال رجل من الصحابة : يا أبا عبد الرحمن رحمك الله ! عظني ( 3 ) موعظة لا أحتاج فيها إلى غيرك ، فقد علمت أني لا أذهب إلى أحد مثلك ، قال : فنظر إليه معاذ وقال : يا هذا ! إن صلحاء المسلمين كثير ، ولن يضيع الله عز وجل أهل هذا الدين ، ولكن خذ عني ما آمرك ، كن من الصائمين بالنهار ، القائمين بالليل ، المستغفرين بالاسحار ، الذاكرين الله كثيرا على كل حال ، ولا تشرب الخمر ، [ ولا تزنين ] ولا تعق والديك ، ولا تأكل مال اليتيم ، ولا تقذف المحصنات ، ولا تفر من الزحف ، ولا تأكل الربا ، ولا تدع الصلاة المكتوبة ، ولا تمنع الزكاة المفروضة ، وصل رحمك ، وكن بالمؤمنين رحيما ، [ ولا تظلم مسلما ، وحج ، واعتمر ، وجاهد ] ( 4 ) ، فإذا فعلت ذلك فأنا زعيم لك بالجنة .
[1] سورة آل عمران : 60 . ( 2 ) عند الأزدي ص 269 وأنتم في مهلة وحياة ، وفي بقية من آجالكم . ( 3 ) الأزدي : علمني شيئا ينفعني الله بك قبل أن تفارقني فلا أراك ولا تراني ، ولا أجد منك خلفا ، ثم لعلي أن أحتاج إلى سؤال الناس عما ينفعني بعدك . ( 4 ) ما بين معكوفتين زيادة عن الأزدي .