سالف الدهر ، قال حذيفة : فقلت : ما أكثر ذكره لك ؟ فقال : ويحك أيعيش حسان ؟ فقلت : نعم وقد كف بصره فليس يهتدي برا ولا بحرا ، قال : فدعا بخمسمائة دينار وخمس ديباجات وخمسة أثواب حرير ومثلها بزيون [1] فقال : أحب أن توصل هذه إلى حسان ، قال : وأراد أن يأمر لي بمثل ذلك فأبيت عليه ، فلما أردت الرحيل أقبلت حتى دخلت عليه فقلت : يا جبلة ! هل توصيني بشئ أبلغه عنك أمير المؤمنين ؟ فقال جبلة : وما عسى أن تكون وصيتي وحاجتي إلى عمر وقد أراد أن يقتص مني بلطمة لرجل من السوقة ! قال فقلت : إن عمر أراد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، وإنما أراد أخذ الحق ، فقال : صدقت يا حذيفة ولكن اللجاج والشقاء غلب علي فأحلني هذا المحل ، ولوددت أني مت قبل ذلك ، ولوددت أني في ديار قومي في أسوء حالة تكون . قال : فحفظت عنه أبياتا [2] ، ثم رحلت إلى بلاد الشام ، ثم صرت إلى المدينة فحدثت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بما كان من مرد هرقل ملك الروم علي ، ثم حدثته بما كان من أمر جبلة بن الأيهم وأنشدته ما سمعته من شعره ، قال : ويحك يا حذيفة ! ورأيته يشرب الخمر بعد الاسلام والحج والقرآن ؟ فقلت : نعم ، يا أمير المؤمنين ! قال : ورأيت الصليب على رأسه ؟ فقلت : نعم ، فقال عمر : أبعده الله ! فقد تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته فضل فما اهتدى . قال فقلت : يا أمير المؤمنين ! إنه قد بعث معي إلى حسان بن ثابت بكذا وكذا ، ثم جئته به حتى وضعته بين يديه ، فقال عمر لرجل من المجلس : انطلق فادع لنا حسانا ولا تعلمه بشئ من هذا ، قال : فمضى الرجل فما كان بأسرع أن أقبل حسانا وقائده يقوده ، فلما دخل قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ! إني لاجد ريح آل جفنة بين يديك ، قال : فتبسم عمر وأهل المجلس ثم قال : نعم يا أبا الوليد ! لقد آتاك الله عز وجل منه بمعونة وبر حسن على رغمه أنفه ،
[1] بالأصل بربون . والبزيون : الديباج الرقق . وفي العقد : فأمر لي بكسوة ومال ، ونوق موقرة برا ، ثم قال : فادفع إليه هذه الهدية وإن وجدته ميتا ، فادفعها إلى أهله وانحر الجمال على قبره . [2] منها : ( الأغاني - العقد ) . تنصرت الاشراف من عار لطمة * وكان فيها لو صبرت لها ضرر فيا ليت أمي لم تلدني وليتني * رجعت إلى الامر الذي قال لي عمر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة * أجالس قومي ذاهب السمع والبصر