مطاولتهم إيانا فرجا ، ولم يزدهم الله تعالى بذلك إلا ضعفا ونقصا وذلا وهولا ، فلما طال بهم ذلك واشتد عليهم الحصار سألوا الصلح وطلبوا الأمان على أن يقدم عليهم أمير المؤمنين فيكون هو الموثوق به عندهم والكاتب لهم كتابا بأمانهم ، ثم إنا خشينا أن يقدم أمير المؤمنين فيغدروا بعد ذلك ويرجعوا [2] ، فأخذنا عليهم العهود والمواثيق والايمان المغلظة أنهم لا يغدرون ولا ينكثون ، وأنهم يؤدون الجزية ويدخلون فيما دخل فيه أهل الذمة ، فأقروا لنا بذلك ، فإن رأيت يا أمير المؤمنين أن تقدم علينا فافعل ، فإن في قدومك من الاجر والثواب ما لا يخفى عليك ، آتاك الله رشدك ويسر أمرك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ) . ذكر المشورة التي أشاروا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة . قال : فلما ورد كتاب أبي عبيدة على عمر رضي الله عنهما [3] وقرأه أرسل إلى وجوه المهاجرين والأنصار المقيمين معه بالمدينة واستشارهم في الخروج إلى الشام . قال : فقال له عثمان : يا أمير المؤمنين ! إن الله تعالى قد أذل الروم وأدال عليهم ، وأبو عبيدة قد حصرهم وضيق عليهم فهم يزدادون في كل يوم نقصا وذلا وضعفا ووهنا ، فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم علموا أنك مستخف بأمرهم ، مستصغر لشأنهم ، حاقر لجنودهم ، فلا يلبثون إلا يسيرا حتى ينزلوا على الحكم أو يؤدون الجزية [4] . فقال عمر : هل عند أحد منكم غير هذا الرأي ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : نعم عندي من الرأي ، أن القوم قد سألوك المنزلة التي لهم فيها الذل والصغار ، ونزولهم على حكمك عز لك وفتح للمسلمين ، ولك في ذلك الاجر العظيم في كل ظمأ ومخمصة ، وفي قطع كل واد وبقعة حتى تقدم على أصحابك
( 1 ) زيد عند الأزدي : ورجاء . [2] زيد عند الأزدي : فيكون سيرك - أصلحك الله - عناء وفضلا . [3] ورد الكتاب إلى عمر مع ميسرة بن مسروق العبسي ( فتوح الواقدي 1 / 235 ) . [4] قارن مقالة عثمان في فتوح الواقدي 1 / 236 والأزدي ص 249 وبين النصوص اختلاف . ( 5 ) قارن مع الأزدي ص 250 وفتوح الشام للواقدي 1 / 236 .