يريدون إلا استئصالنا وذهاب سلطاننا وأخذ أموالنا وسبى نسائنا وأبنائنا وليس في عسكري أحد أيها الملك إلا هو طيب النفس بالموت دون بلاده وسلطانه . قال : ثم وجه ماهان بكتابه إلى ملك الروم ، وأقبل على بطارقته وقال لهم : كيف الرأي عندكم اليوم في قتال هؤلاء العرب ؟ فقال له بعض بطارقته : أيها الوزير ! أنت تعلم أن جاسوسك قد أقبل من عندهم فأخبرك أنهم في أربعين [1] ألفا ويزيدون قليلا ونحن أكثر منهم [2] بأضعاف كثيرة لأننا نزيد على أربعمائة ألف ، والرأي عندي أن نخرج إليهم في كل يوم مائة ألف رجل منا يقاتلونهم [3] ، فإذا كان من غد خرج إليهم غير أولئك الذين قاتلوهم بالأمس يقاتلونهم هؤلاء ويستريح هؤلاء فيراح عليهم أبدا ونفنيهم عن آخرهم ، إن انهزم منا مائة ألف كان وراءهم مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف على هذا الشأن . فقال ماهان : قولوا غير هذا ، فقال بطريق آخر : عندي مشورة أوجز من هذه ، فقال ماهان : قل حتى أسمع ، فقال : الرأي عندي أن نخرج إليهم بأجمعنا إذا خرجوا إلينا وصافقونا خرج إلى كل واحد منهم عشرة منا فنأخذه أخذا ، فقال : ويحك ! فكيف ينفرد الرجل من أصحابه حتى يؤخذ ؟ هذا لا يكون ، ولكني قد رأيت أن نخرج إليهم بأجمعنا خرجة واحدة ثم نضاربهم ونناجزهم فلا نرجع حتى يحكم الله عز وجل بيننا وبينهم ، فقال عامة البطارقة : الرأي ما رأيت أيها الوزير . فعزم ماهان على ذلك ثم كتب إلى هرقل ملك الروم [4] : أما بعد أيها الملك ! إن أصحابي بأجمعهم قد أجمعوا على مناجزة العرب وقد اجتمع رأيي على النهوض إليهم في يوم كذا وكذا ، وهو يوم لنا فيه الخيرة ، وإني أخبرك أيها الملك أني رأيت في منامي كأن آتيا أتاني فقال لي : يا ماهان ! لا تقاتل هؤلاء العرب [5] فإنك إن قاتلتهم هزموك وأهلكوك ، فلما انتبهت علمت أن ذلك من قبل الشيطان فأخسأته ولم ألتفت إليه ، وبعد أيها الملك فإني أشير عليك أن توجه أموالك وحرمك إلى قسطنطينية وتثبت أنت بمدينة أنطاكية وتكون مخفا وتنتظر وقعتنا هذه ، فإن أظهرنا الله
[1] عند الأزدي : ثلاثين ألفا أو أقل أو أكثر قليلا . [2] عند الأزدي : عشرة أضعافهم . [3] عند الأزدي : وتستريح البقية وتسرح بعيالنا وأثقالنا إلى البحر فلا يكون معنا شيء يهمنا ولا يشغلنا . [4] نسخة الكتاب عند الأزدي ص 209 . [5] الأزدي : القوم .