على ذلك . فقال معاذ : أما ما ذكرتم أنكم تعطونا أرض البلقاء فإن البلقاء وغير البلقاء من أرضكم بأيدينا ، ونحن عازمون على أن نجليكم من جميع أرض الشام وتكون بأجمعها لنا إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم [1] . قال : فغضب الترجمان من كلام معاذ ثم خبر القوم ما قال : فغضبوا لذلك ثم قالوا له : إليك عنا ! نحن نتقرب إليكم وأنت تتباعد عنا ، أما إذ أبيت العافية فارجع إلى أصحابك ، فإنا نرجو أن يغريكم الله غدا في الجبال لبغيكم وظلمكم ، فقال معاذ : أما في الجبال فلا يكون ذلك أبدا ، ولكن والله لنقتلن عن آخرنا أو نخرجكم منها أذلة وأنتم صاغرون . ثم وثب معاذ واستوى على ظهر فرسه وانصرف إلى أبي عبيدة فخبره الخبر على جهته . قال : وبعثت الروم إلى أبي عبيدة إنا سألناك أن تبعث رجلا فأرسلت إلينا رجلا لا يعلم ما يأتي ولا يذر [ و ] لا ينصف ولا يقبل النصيحة ولا يبصر الحق ولا يريد الصلح ، فلا ندري أذلك عن رأيك أم لا ، ونحن نريد أن تبعث إلينا غير ذلك الرجل حتى نعرض عليه خصالا لنا ولك فيهم صلاح ، وإلا بعثنا إليك رجلا يعرض عليك ما عندنا ، فإن قبلت ذلك وإلا فالحرب بيننا وبينك . قال أبو عبيدة لرسولهم : قل لهم : فليبعثوا من شاؤوا . ذكر الرومي الذي جاء إلى أبي عبيدة وكلامه . قال : فبعث الروم إلى أبي عبيدة رجلا منهم أزرق العينين طوالا مهول المنظر ، فلما دخل العسكر جعل ينظر في وجوه عسكر المسلمين فلم يعرف أبا عبيدة من غيره ، وذلك أنه لم ير عليه زي الامراء ولم ير له مجلسا يعرف ولا فضل هيئة على أصحابه ، فبقى ساعة متحيرا ثم قال : يا معشر العرب ! أيكم صاحبكم ؟ قالوا : هو ذلك القاعد بين يديك . قال : فنظر العلج إلى أبي عبيدة بن الجراح عليه درع وهو متقلد بسيفه متنكب قوسه وفي يده سهام يقلبها ، فدنا منه العلج ثم قال : أنت أمير هؤلاء القوم ؟ فقال :
[1] عند الأزدي : ولو أعطيتمونا جميع ما في أيديكم مما لم نظهر عليه ، ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاثة التي وصفت لكم ما قبلنا .