ولد الأصفر في الأرض أكثر من عدد الحصى وأكثر من عدد النجوم في السماء ، فهيهات يا معشر العرب هيهات ما أبعدكم وما تطلبون منا ! وبعد فإنا قد أنكرنا عليكم ما أنتم عليه من استحلالكم لقتالنا وأنتم تزعمون أنكم تؤمنون بكتابنا وبنبينا ، فكيف هذا فاشرحوه حتى نعلم . قال : فلما فرغ الترجمان من كلامه أقبل عليه معاذ فقال : إني فهمت ما تكلمت به عن لسان القوم ، ويجب عليك أن تفهمهم عني ما أقول ، فقال الترجمان : أفعل ذلك فقل ما تشاء . فقال معاذ : قل لهم عني : أما قولكم : ما الذي أدخلكم إلى بلادنا وتركتم أرض الحبشة وأرض الفرس ، فان السبيل فيكم وفيهم واحد لان الله تبارك وتعالى قال لنا في كتابه ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة [1] ) فكنتم أقرب إلينا منهم ، فقدمنا نحن إليكم ، وقد بعث صاحبنا إلى أولئك الذين بالعراق من الفرس طائفة أخرى يقاتلونهم كما نقاتلكم ، ونحن نرجو أن يفتح الله علينا وعليهم إن شاء الله عز وجل ! وأما قولكم : إن بأسكم شديد وإن جندكم كثير وإنكم على عدد النجوم والحصى [2] ، فإن جنودنا وإن كثرت وعظمت فلا نثق بها ولا نتكل عليها ولا نرجو النصرة على أعدائنا بكثرتها ، ولكنا نبرأ من الحول والقوة ونتوكل على ربنا تبارك وتعالى ، و ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ) ( 2 ) وقد رفعها الله عز وجل وأعزها ! وكم من فئة كثيرة قد خذلها وأذلها والله مع الصابرين ! وأما ما ذكرتم لهرقل وتعظيمكم لملككم فإنه سيموت عن قريب ! وملكنا هو ربنا الحي الذي لا يموت وهو الذي قد خلقنا وخلقكم ! وأميرنا رجل منا لا يجور ولا يتعدى ولا يظلم ، فإن هو أطاع الله عز وجل وعمل بكتابه وبسنة نبينا محمد عليه السلام فكان فينا مستقيم الطريقة ، وإلا عزلناه وولينا علينا سواه ، وهو مع ذلك لا يحتجب عنا ولا يتكبر علينا ، ومع ذلك فإنه لو سرق لقطعناه ولو زنى لجلدناه أو خان لفضحناه ، ولو شتم رجلا منا رد عليه كما شتمه ، ولو قتل منا رجلا ظلما أقاد من نفسه ، وإن ضربه بغير حق اقتص منه ، وإنه كرجل منا لا يستخف بنا ولا يستأثر بالفيء دوننا ، ولا يتخذ الفرش والبسط
[1] سورة التوبة : 122 . [2] زيد عند الأزدي : وتؤيسونا من الظهور عليكم ، فإن الامر في ذلك ليس إليكم ، وإنما الأمور كلها إلى الله ، وكل شيء في قبضته . ( 3 ) سورة البقرة : 249 .