بالله وكفركم به ، فلا تحسبونا تاركيها ومنصرفين عنها ولا خارجين منها إلى غيرها [1] ، فذروا عنكم تمني الأباطيل والأماني الكاذبة ، وأما قولكم بأنكم تأتوننا فيما لا قبل لنا به فو الله لا تأتوننا بجند إلا أتيناكم بمثله أو ضعافه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله ، فكونوا من ذلك على يقين . [2] قال : فلما انتهت إليهم هذه الرسالة من أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه كأنهم انكسروا لذلك وداخل قلوبهم الرعب والخوف ، فأرسلوا إليه أن ابعث إلينا رجلا من صلحاء أصحابك حتى نسأله عما تريدون وتطلبون وتسألون ونخبره بما عندنا وندعوكم إلى حظكم ورشدكم . ذكر مسير معاذ بن جبل إلى الروم وما كان من كلامه معهم قال : فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل - رضي الله عنهما ، فأقبل إليهم معاذ على فرس له أدهم ، على رأسه عمامة له حمراء ، عليه درع له سابغ قد ظاهره بحريرة صفراء وقد تقلد بسيف له يمان ، حتى إذا دنا من القوم نزل عن فرسه وأخذ بعنانه وجعل يقوده وهو يمشي إليهم ، فقال بعضهم لبعض غلمانه : أذهب فأمسك عليه فرسه ، فقال معاذ للغلام : إليك عني ! فإني أمسك فرسي ولا أحب أن يمسكه غيري . قال : ثم دنا منهم فإذا بجماعة من بطارقتهم قعود على فرش ونمارق [3] تكاد أن يغشى الابصار حسنها . قال : وتقدم إلى معاذ رجل منهم فقال له : ناولني فرسك أمسكه لك واجلس مع هؤلاء الملوك فإنهم سادات الروم وأشرافها ، فقال معاذ : لست أحب أن أكلمهم إلا وأنا قائم . قال : فقال له الترجمان : يا هذا ! إن القوم يكرهون أن يكلمونك وأنت قائم ، فقال معاذ : أيها الرجل ! إني لم أقم على رجلي بين أيديهم إعظاما لهم ، ولكني أكره أن أجلس على هذه النمارق [4] لأنها من زينة الدنيا وقد زهد الله عز وجل عباده
[1] زيد عند الأزدي : حتى نفنيكم ونخرجكم عنها . [2] عند الأزدي : وإن أنتم أقمتم لنا فلا نبرح حتى نبيد خضراءكم ، مستأصل شأفتكم إن شاء الله . [3] النمارق جمع نمرقة ، وهي الوسادة الصغيرة . [4] زيد عند الأزدي ص 116 : التي استأثرتم بها على ضعفائكم واصل ملتهم .