ذكر وقعة مرج الصفر [1] آخر وقعة أجنادين . قال : فنادى خالد بن الوليد في المسلمين وركبوا وركب معهم خالد بن الوليد وسار في المسلمين نحو ذلك الجيش الذي وصفه الجاسوس ، فإذا هو بصليبين للروم ، تحت كل صليب عشرة آلاف فارس بموضع يقال له : مرج الصفر ( 1 ) . قال : ثم حمل خالد وحمل المسلمون معه على جميع الكفار ، فقتل منهم خلق كثير ، ولم يقتل من المسلمين رجل واحد ولا جرح منهم فارس ولا راجل . ( 2 ) قال : فأسر منهم خالد مائة وعشرين رجلا وفيهم بطريق عظيم الشأن يقال له : قسطا ، فأتي به إلى خالد بن الوليد حتى أوقف بين يديه ، فقال له خالد : أسلم وإلا ضربت عنقك ، فتكلم البطريق بالرومية وقال : إني غير داخل في دينك فاصنع ما بدا لك ، قال خالد : ما يقول هذا الكلب ؟ فقال بعض الجواسيس : إنه يقول أيها الأمير كذا وكذا ، قال : فقدمه خالد فضرب عنقه وأعناق الاسرى جميعهم فما أبقى على واحد منهم ، ورجع إلى باب دمشق كما كان . قال : وجعل المسلمون يغيرون على أطراف دمشق فكلما أصابوا نفلا أتوا به في المقسم ( 3 ) ، فلم يستحل أحد أن يغل ( 4 ) شيئا حتى إن الرجل من المسلمين كان ربما أتى بكبة ( 5 ) [ من ] غزل وبكبة من الصوف والشعر والابرة والمسلة وما فوق ذلك فيسلمه إلى صاحب المقسم . قال : وبلغ ذلك بطريق دمشق الذي هو مقيم بها وكان اسمه القنفلان فجعل يعجب من المسلمين ومن أمانتهم وعدلهم وحسن سيرتهم ، ثم أقبل على من كان عنده من البطارقة بدمشق فقال : ألا ترون إلى أمنة هؤلاء القوم وعفافهم ، ليس فيهم أحد يستحل أن يأخذ من غنائمنا شيئا دون الاخر ، فقال له
[1] بالأصل : الصفرا . ومرج الصفر واحد من مروج غوطة دمشق . والمرج الموضع الذي ترعى فيه الدواب . والصفر : بضم أوله وفتح الفاء المشددة . ( 2 ) كذا بالأصل . وفي فتوح البلدان ص 125 جرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف . وفي فتوح الأزدي ص 96 أن قتلاهم كانوا خمسمئة في المعركة ، وقد قتلوا وأسروا نحوا من خمسمئة أخرى . وانظر في تاريخ خليفة ص 120 وفتوح البلدان ص 125 أسماء بعض من قتل من المسلمين . ( 3 ) في فتوح الأزدي : في القبض . ( 4 ) غل : من الغلول يعني الخيانة في الغنيمة . والسرقة من الغنيمة . قال ابن الأثير : وكل من خان في شيء خفية فقد غل ( اللسان ) . ( 5 ) كذا بالأصل ، وصوابه الجبة ، وهي الثوب .