المسلمين حتى وافى الروم بأجنادين في يوم الجمعة فنزل قبالتهم وذلك في وقت العشاء ، فلما أمسى خالد ومضى من الليل بعضه وإذا جيوش المسلمين قد وافته من جميع المواضع . ذكر وقعة أجنادين وهي أول وقعة لخالد بن الوليد مع الروم . قال : فأصبح خالد يوم السبت يعبي أصحابه فجعل على ميمنته معاذ بن جبل ، وعلى ميسرته سعيد بن عامر بن جديم [1] ، وعلى جناح الميمنة يزيد بن أبي سفيان ، وشر حبيل بن حسنة على جناح الميسرة ، وخالد بن سعيد بن العاص على الكمين ، ثم جعل خالد بن الوليد نساء المسلمين من وراء الصفوف وأمرهن فاحتزمن [2] وتشمرن وأخذن في أيديهن الحجازة وجعلن يدعون الله ويستنصرنه على أعداء المسلمين . قال : وجعل خالد بن الوليد لا يقر بمكان واحد ولكنه يقف على كثيبة كثيبة من المسلمين [3] ويقول : اتقوا الله عباد الله ! وقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ، ولا تهنوا ولا تجبنوا عن عدوكم ، ولكن إقداما كاقدام الأسد الضاربة فإنكم أحرار كرام ، وارفضوا عنكم هذه الدنيا واطلبوا ثواب الآخرة ، وأنتم الأعلون والله معكم [4] ، وبعد فإنكم [5] إن هزمتم هؤلاء القوم كانت لكم هذه البلاد دارا للاسلام ما بقيتم أبدا مع رضوان الله والجنة . قال : ودنت الروم من المسلمين بخيلها ورجلها في الآلة والسلاح الشاك وقد تعبوا ميمنة وميسرة وقلبا وجناحا وبين أيديهم يومئذ بطريق من بطارقة الروم يقال له قلفط [6] ، عليه ديباجة منسوجة وعلى رأسه تاج من ذهب وتحته فرس أدهم مغرق
[1] مرت الإشارة إليه . [2] عند الأزدي : ( فاحترمن ) أي حرمن على الرجال ما كان مباحا لهم معهن . [3] كذا بالأصل ، لعله كتيبة . وعند الأزدي : وأقبل خالد يقف على كل قبيلة وكل جماعة . [4] في فتوح الأزدي : ولا يهولنكم ما ترون من كثرتهم ، فإن الله منزل عليهم رجزه وعقابه . [5] نسب هذا القول إلى معاذ بن جبل . [6] كذا بالأصل . وعند ابن الأثير : تذارق أخو هرقل . وفي الطبري وتاريخ خليفة : رجل من الروم يقال له القبقلار .