أصحابه عند منصرفه من معسكره إلى بغداد ، إذ ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل يعلمه فيه أن المأمون قد جعل علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) ولي عهده من بعده ، ولقبه الرضا من آل محمد ، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا أفضل ولا أورع ولا أعلم منه ، وقد أمره بطرح لبس السواد ولبس ثياب الخضرة ، وذلك في يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان من سنة إحدى ومائتين ، ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له ، وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك . فلما أتى عيسى الكتاب دعا الأعيان من أهل بغداد إلى ذلك وجمع القواد وأمرهم بذلك على أن يعجل لهم رزق شهر والباقي إذا أدركت الغلة ، فامتنع بعضهم ونسبوا هذا إلى الفضل بن سهل ، وغضب بني العباس من ذلك واجتمعوا وقالوا : نولي بعضنا ونخلع المأمون ، وكان المتكلم في ذلك عماه إبراهيم ومنصور ابنا المهدي . وفي هذه السنة أجاب جماعة من أهل بغداد إلى بيعة إبراهيم بن المهدي فبايعوه بالخلافة وخلعوا المأمون [1] . وقال أبو سعيد ابن المعلم : سمعت الفضل بن فضالة النسوي يقول : قال قاضي القضاة يحيى بن أكثم : كنت يوما عند المأمون وعنده علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) فدخل الفضل بن سهل ذو الرئاستين فقال للمأمون : قد وليت الثغر الفلاني فلانا التركي . فسكت المأمون . فقال الرضا ( عليه السلام ) : ما جعل الله لإمام المسلمين وخليفة رب العالمين القائم بأمور الدين أن يولي شيئا من ثغور المسلمين أحدا من سني [2] ذلك الثغر ، لأن الأنفس تحن إلى أوطانها وتشفق على أجناسها وتحب مصالحها وإن كانت مخالفة لأديانها . فقال المأمون : اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب .
[1] تاريخ الطبري : ج 8 ص 554 - 555 . [2] السناء من الرفعة والسني : الرفيع ( لسان العرب 14 / 403 ) .