فكان ذلك الذي سلا نفسي عنه [1] . وحدث جعفر بن سليمان ، قال : حدثني من شافه الحسين ( عليه السلام ) بهذا الكلام ، قال : حججت فأخذت ناحية الطريق أتعسف الطريق ، فوقعت إلى أبنية وأخبية ، فأتيت أدناها فسطاطا فقلت : لمن هذا ؟ فقالوا : للحسين بن علي صلوات الله عليهما . فقلت : ابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قالوا : نعم . قلت : فأيها هو ؟ فأشاروا إلى فسطاط . فأتيته ، فإذا هو قاعد عند عمود الفسطاط ، وإذا بين يديه كتب كثيرة يقرأها . فقلت : بأبي أنت وأمي ما أجلسك في هذا الموضع الذي ليس فيه أنيس ولا منفعة . قال : إن هؤلاء - يعني السلطان وأتباعه - أخافوني ، وهذه كتب أهل الكوفة إلي ، وهم قاتلي لا محالة ، فإذا فعلوا ذلك لم يتركوا حرمة إلا انتهكوها ، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يتركهم أذل من فرم الأمة [2] الفرمة بالتسكين والفرم : ما تعالج به المرأة قبلها ليضيق [3] . وقال بعض فزارة : نزلنا مع زهير بن القين منزلا لم نجد بدا عن مقاربة الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، فبينا نحن نتغدى إذ أقبل رسول الحسين ( عليه السلام ) حتى سلم وقال : يا زهير بن القين إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه . فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير فقالت له امرأته : سبحان الله يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله فقوض وحمل إلى الحسين ( عليه السلام ) ، ثم قال لامرأته : أنت طالق ، إلحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير . ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا : غزونا البحر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الفارسي رحمة الله عليه : أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم ؟
[1] قريب منه ما في تاريخ الطبري : ج 4 ص 288 . [2] بحار الأنوار : ج 44 ص 368 باب 37 من تاريخ الحسين ( عليه السلام ) . وفيه بدل " فرم الأمة " : قوم الأمة . [3] في الأصل : ليذيق . وهو سهو ، راجع القاموس ( فرم ) .