إلى الحق ، أضم [1] عن الباطل ، ينوي العدل ويعاف الحيف ، ومعه نفر من أهل بيته وعدة رجال من شيعته ، لا يدخلون دارا إلا بإذن ، ولا يأكلون شيئا إلا بثمن ، رهبان الليل ليوث بالنهار ، فاحفظنا فيهم رحمك الله ، فإن ابن الزبير قد نابذنا بالعداوة ونابذناه . والسلام . قال : فكتب إليه عبد الملك بن مروان : أما بعد فقد أتاني كتابك توصني فيه بمن توجه إلي ما قبلي من أهل بيتك ، فما أسرني بصلة رحمك وحفظ وصيتك ، وكلما هويت من ذلك فمفعول ومتبع ، فانزل بي حوائجك رحمك الله كيف أحببت ، فلن أعرج عن حاجة عرضت لك قبلي فإنك قد أصبحت عظيم الحق علي مكينا لدي ، وفقنا الله وإياك لأفضل الأمور ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . قال : فعندها تجهز محمد بن الحنفية ( رضي الله عنه ) وخرج من مكة فيمن اتبعه من أهل بيته وأصحابه ، وسار حتى صار إلى مدينة مدين ، وبها يومئذ عامل من قبل عبد الملك بن مروان يقال له مطهر بن يحيى العتكي ، فلما نظر إلى هؤلاء القوم أمر بباب المدينة فأغلق واتقى من ناحيتهم . فناداهم أصحاب محمد : يا أهل مدين لا تخافون فإنكم آمنون ، انما نريد منكم أن تقيموا لنا السوق حتى نتسوق منها ما نريد ، ونحن أصحاب محمد بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) ، لسنا نزري [2] أحدا شيئا ، ولا نأكل شيئا إلا بثمن . قال : ففتح أهل مدين باب مدينتهم وأخرجوا لهم الأنزال [3] . فقال محمد لأصحابه : أيها الناس إني قد وطئت بكم آثار الأولين وأريتكم ما فيه معتبر وبصيرة لكم إن كنتم تعقلون . ألم تروا إلى ديار عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين كانوا عمار الأرض من قبلكم وسكانها ، أعطوا من الأموال ما لم تعطوا وأوتوا من الأعمار ما لم تؤتوا ، فأصبحوا في القبور رميما كأنهم لم يعمروا
[1] كذا في الأصل . [2] أزرى به إزراء : قصد به وحقره وهونه ( لسان العرب 14 / 356 ) . [3] أنزال القوم : أرزاقهم ( لسان العرب 11 / 658 ) .