حسرة ، ولكل سعة مضرة ، ولكل حلاوة بعدها مرارة ، ولكل إبرام بعده نقض ، ولكل لين بعده صعوبة ، ولكل سرور بعده حزن ، ولكل طرب بعده سجن . فكل هذا يا بني في الدنيا ، ولا ينجو إلا من عصمه الله منها وأكرمه برحمته ، والناس فيها غافلون ، ومن فنائها آمنون ، والموت أمامهم ينتظر آجالهم ، وهم فيها بين ذلك مجتهدون يكدون أنفسهم ومن الحلال والحرام يكتسبون ، أملهم طويل وأجلهم قصير ، عموا في الدنيا واستأنسوا بأهلها ، فهم عن آخرها آمنون مطمئنون ، يبنون القصور وما لا يسكنون ، ويعمرون ما لا يدخلون ، ويأمنون مالا يخافون . يا بني لا الدنيا يطلبون ولا الآخرة يرجون ، لو طلبوا للدنيا لعملوا بما امروا فيها ، ولو رجوا الآخرة لاشتغلوا فيما رجوا منها . يا بني كيف تجمعون ؟ ومن أين تأكلون ؟ ومم تلبسون ؟ يا بني المال والبنون حرث الدنيا ، والدين والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعها الله لأقوام يحبهم ويحبونه . يا بني فمن أحب الله أحبه الله وحببه إلى خلقه ، ومن أبغض الله أبغضه الله وبغضه إلى خلقه . ولا قوة إلا بالله . حدث الأصبغ بن نباتة قال : دعا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الحسن والحسين ( عليهما السلام ) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله فقال لهما : إني مقبوض في ليلتي هذه ولا حق برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاسمعا قولي وعياه . أنت يا حسن وصيي والقائم بالأمر بعدي ، وأنت يا حسين شريكه في الوصية فأنصت ما نطق ، وكن لأمره تابعا ما بقي ، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر ، وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلا من أطاعه ولا يهلك إلا من عصاه ، واعتصما بحبله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . ثم قال للحسن ( عليه السلام ) : إنك ولي الأمر بعدي ، فإن عفوت عن قاتلي فلك ، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ، وإياك والمثلة فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نهى عنها ولو بكلب عقور .